قبل الخوض في البحث من توضيح كلام المشهور ، وقد تقدّم مرارا أنّ أصالة الظهور من الاصول المعتبرة العقلائيّة ، وأعمّ من أصالة الحقيقة ، فكما تحقّق في الاستعمالات الحقيقيّة كذلك تحقّق في الاستعمالات المجازيّة المحفوفة بالقرينة ، فيكون لمجموع «أسدا يرمي» ـ مثلا ـ ظهور في المعنى المجازي ، وحينئذ نلاحظ أنّ ظهور الصيغة في الإباحة إذا وقعت عقيب الحظر أو في مقام توهّمه ، هل يكون من سنخ ظهورها في الوجوب إذا وقعت في غير هذين الموقعيّتين أم لا؟ بمعنى أنّ كليهما مستندان إلى الوضع ، وقول الواضع بأنّه وضعتها للإباحة إذا وقعت في هذين الموقعيّتين ، ووضعتها للطلب الوجوبي إذا وقعت في غير هذين الموقعيّتين ، أو أنّها وضعت للبعث الوجوبي من حيث الوضع ، وأمّا وقوعها في أحد هاتين الموقعيّتين تكون بمنزلة «يرمي» في قولنا : «رأيت أسدا يرمي» ، يعني يتحقّق لها الظهور في المعنى المجازي اتّكالا على القرينة ، إلّا أنّ القرينة قد تكون جزئيّة وشخصيّة كما في المثال المذكور ، وقد تكون كلّيّة وعامّة كما في ما نحن فيه.
فيكون وقوع الأمر عقيب النهي أو في مقام توهّمه قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي ، فينحلّ نظر المشهور في الحقيقة إلى ادّعاءين : أحدهما : ادّعاء سلبي ، وهو أنّ الأمر في هاتين الموقعيّتين ليس بظاهر في المعنى الحقيقي والبعث الوجوبي.
وثانيهما : ادّعاء إثباتي ، وهو أنّ الأمر في هاتين الحالتين ظاهر في خصوص الإباحة ، فهل يمكننا موافقة المشهور في كلا الحكمين أو في الحكم الأوّل فقط لجهة خاصّة؟ فيكون موجبا لإجماله بعد ارتفاع ظهوره الأوّلي في الوجوب.