الأمر على كون المأمور به مرادا للآمر بحسب الواقع محبوبا عنده ، والمفروض خلافه ، ولأنّه لو حسن الأمر لنفسه لا لمتعلّقه لم يبق في الأمر دلالة على الأمر بما لا يتمّ به ، ولا على النهي (١) عن ضدّه ، ولا على كون المأمور به حسنا. وأنت خبير بما فيه.
أما الأوّل فأوّلا : أنّه لا إغراء بالجهل بالنسبة إلى التكاليف بمجرّد ذلك لبناء الأمر فيها على طروّ الطوارئ المذكورة ونحوها ، ولذا ذهب معظم الاصوليّين إلى جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب ولو في ما له ظاهر ، وهذا لا يزيد على ذلك.
وثانيا : بالمنع من قبح الإغراء بالجهل مطلقا ، حتّى في ما يترتّب عليه فائدة مقصودة للعقلاء ، ويكون المقصود حصول تلك الفائدة ، بل قد لا يعدّ ذلك إغراء بالجهل ، إذ ليس المقصود به تدليس الواقع على المخاطب ، بل المراد منه ما يترتّب عليه من المصلحة البيّنة المطلوبة عند العقلاء ، كيف! وقد جرت عليه طريقة العقلاء قديما وجديدا في اختبار عبيدهم ووكلائهم وأصدقائهم وغيرهم من غير أن يتناكروه بينهم ، ولا تأمّل لأحد منهم في حسنه ، ولا احتمالهم لقبحه مع وضوح قبح الإغراء بالجهل في الجملة ، فلو فرض كونه إغراء به فهو خارج عمّا يستقبح منه قطعا. وقد يقال بالمنع من ذلك بالنسبة إلى أوامر الشرع ، لعلمه تعالى بحقائق الأحوال ، ولا يتصوّر في حقّه تعالى قصد الامتحان والاختبار بذلك ، ويظهر ذلك من كلامه وكلام المصنّف في آخر المسألة.
ويوهنه : أنّه لا تنحصر المصلحة فيه في استعلام حال العبد ، بل قد يكون لإقامة الحجّة عليه ، أو لترتّب الثواب عليه من جهة توطين نفسه للامتثال ، أو لظهور حاله عند الغير. وفي قوله تعالى في حكاية إبراهيم عليهالسلام : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ)(٢) دلالة ظاهرة على ذلك ، وهذا كلّه واضح لا خفاء فيه.
وأمّا الثاني فبظهور منع الملازمة ، فإنّه إنّما يلزم ذلك لو لم يكن الأمر ظاهرا
__________________
(١) في (ق) : ولا دلالة على النهي.
(٢) الصافّات : ١٠٦.