يظهر لها وجه كما لا يخفى على المتأمّل ، مثل الوجه الذي ذكره هو نفسه في معناه ، فإنّه وإن أقام في بعض كلماته برهانا بزعمه على بقاء القوّة الخياليّة بعد خراب البدن ، لكنّه لم يأت بشيء مبيّن كما يظهر على من راجع كلماته.
وما ذكره هنا من أنّ للنفس في ذاتها سمعا وبصرا إلى آخر ما ذكره ، إن كان المراد به أنّ لها بعد خراب البدن سمعا وبصرا ونحو ذلك من القوى في ضمن البدن المثاليّ ، كما دلّ عليه النقل وذهب إليه كثير من الحكماء والمتكلّمين ، فله وجه ؛ إلّا أنّ كلامه يأبى عن الحمل عليه. وإن كان مراده به غير هذا كما هو ظاهر كلامه ، فهو شيء تفرّد به وليس يظهر وجهه ، بل لا يمكن فهمه ككثير من تحقيقاته في المسائل الحكميّة ، وعسى أن يكون غيرنا يفهمه. والله الموفّق.
وقد بقي في المقام شبهة أخرى ، وهي أنّ ما يستفاد من كلام الشيخ ، أنّه بعد خراب البدن يكفي شعور النفس بذاتها الجزئيّة مميّزة لها ، ربّما يتراءى كونه جاريا في نفوس غير الإنسان من الحيوانات ، فإنّ الظاهر أنّ لها أيضا شعورا بذواتها الجزئيّة وهويّاتها الخاصّة ، فينبغي أن تكون نفوسها أيضا بعد خراب أبدانها باقية متميّزة بتميّز الأبدان متكثّرة بتكثّرها ، وهو خلاف ما عليه الأكثر.
وأمّا الجواب عن هذه الشبهة ، فهو أنّ مبنى كلام الشيخ أنّ الشعور بالذات يكفي مميّزا إذا كانت تلك الذات مجرّدة عن المادّة كما في النفوس الإنسانيّة ، حيث إنّ الأصل في سبب كونها باقية غير فانية هو تجرّدها عن المادّة كما عرفت بيانه ، وأمّا الشعور بالذات وسائر الهيئات والحالات والخصوصيّات التي ذكرها ، إنّما هو لأجل تمايزها بتمايز الأبدان بعد أن كانت ممتنعة الزوال.
وأمّا نفوس غير الإنسان حيث لم يثبت تجرّدها عن المادّة فلا يكفي كون الشعور بالذات مميّزا لها ، إذ ذاك الشعور إنّما يكفي مميّزا لها إذا كان هناك تجرّد عن المادّة به يمتنع الزوال عليها ، وإذ ليس فليس. وكأنّ من قال بحشر الحيوانات الذي مبناه على بقاء نفوسها بعد خراب أبدانها ، ادّعى تجرّدها أيضا عن المادّة ، لزعمه أنّ بعض الدلائل التي أقيمت على تجرّد النفس الإنسانيّة ، مثل قولهم : إنّها مغايرة للبدن وأعضائه وأجزائه فإنّ