استكملت في الجملة في ضمن البدن العنصريّ ثمّ فارقته. وكانت باقية بعد خراب البدن ، اقتضت العناية المتعالية الإلهيّة حصولها بعد خراب البدن في ضمن بدن مثاليّ مشارك لبدنها العنصريّ من بعض الجهات كالشكل والهيئة ، وإن لم يكن مشابها له في الكلّ ، حتّى تكون في ضمن بدن أيضا بدنا هو وإن كان ممّا لم يحصل استكمالها في ضمنه إلّا أنّها في ضمنه تفعل أفعالا في الجملة كالأفعال الحيوانيّة ، لا كلّ أفعالها حتّى الأفعال النباتيّة وتدرك إدراكات مخصوصة ، مثل ما يختصّ بقواها المدركة الحيوانيّة ، مثل السمع والبصر والذوق والشمّ واللمس والتخيّل والتوهّم ونحو ذلك ، مضافا إلى ما تدركه بذاتها من المعقولات التي لا تحتاج في إدراكها إلى البدن ، وحتّى تدرك في ضمن ذلك البدن المثاليّ جزاء ما كسبت من السعادة أو الشقاوة جزاء في الجملة.
وبالجملة ، فتبتهج بالكمالات وتتألّم بالجهالات إلى أن يشاء الله تعالى انقضاء المدّة التي هي في عالم البرزخ ، وتقوم القيامة الكبرى وتتعلّق تلك النفس بعناية الله تعالى ببدنها الأوّل العنصريّ ، فتستوفي في ضمنه جزاء ما كسبت جزاء أوفى.
في تفسير قوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ)
وكذلك الدلالة في قوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي) (١) على ذلك كما ادّعاه بعضهم ، حيث قال: إنّه يدلّ على حدوث النفس والروح قبل الجسد ، فإنّ رجوعها إلى ربّها معناه الرجوع إلى حالتها التي كانت لها قبل وجود الجسد من انقطاع تعلّقها بما سوى ربّها تعالى شأنه ؛ لأنّ مبنى هذا الاستدلال على أنّه يقال لها هذا القول عند الموت ، وأنّ معنى الرجوع إلى ربّها ما ذكره ذلك البعض ، ولا دليل ظاهرا على شيء منهما.
بل أنّ جمعا من المفسّرين ، كصاحب الكشّاف والشيخ الطبرسيّ ذكروا في تفسير الآية أنّه : «إنّما يقال ذلك لها عند الموت أو عند البعث أو عند دخول الجنّة ، على معنى :
__________________
(١) الفجر (٨٩) : ٢٧ ـ ٣٠.