الأمور الجسمانيّة وتتخيّل ذاتها بصورتها الجسمانيّة التي كانت تحسّ بها في وقت الحياة كما في المنام كانت تتصوّر بدنها الشخص وتحسّ به مع تعطّل هذه الحواس وركودها ، فإنّ للنفس في ذاتها سمعا وبصرا وذوقا وشمّا ولمسا تدرك بها المحسوسات غائبة عن هذا العالم إدراكا جزئيّا وتتصرّف فيها ، وهي أصل هذه الحواسّ الدنياويّة ومباديها ، إلّا أنّ هذه في مواضع مختلفة لأنّها هيولانيّة يحملها هذا البدن وهي في موضع واحد لأنّ النفس حاملها وحامل ما يتصوّرها فإذا مات الإنسان وفارقته نفسه مع جميع ما يلزمها من قواها الخاصّة بها ومعها القوّة المصوّرة ، يتصوّر ذاته مفارقة عن الدنيا ، ويتوهّم نفسه عين الإنسان المصوّر الذي مات على صورته ، ويجد بدنه مصوّرا ، ويدرك الآلام الواصلة إليه على سبيل العقوبات الحسّيّة على ما وردت به الشّرائع ، فهذا عذاب القبر. وإن كانت سعيدة تتصوّر ذاتها على صور ملائمة وتصادف الأمور الموعودة ، فهذا ثواب القبر. كما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «القبر روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران» (١) انتهى موضع الحاجة من كلامه.
وأقول : إنّ الذي ذكره بعض الأعاظم (٢) هو الحقّ الحقيق بالتحقيق ، وعليه يمكن تنزيل الحديث الذي نقله صدر الأفاضل ، ويوافقه ما نقله هو في معنى الحديث ، من أنّ ذلك الأمر الضعيف الهيولى الاولى والأجزاء الأصليّة. وعليه فيحصل وجه آخر لدفع الشبهة التي ذكرها الشيخ وأجاب عنها ، لأنّه إذا كان حدوث النفس الإنسانيّة بحدوث البدن كما هو المفروض ، وكان بعد خراب البدن يبقى تعلّقها به من حيث المادّة ، فلا مانع من أن تبقى النفوس بعد خراب أبدانها متكثّرة بتكثّرها ، متمايزة بتمايزها ، كما هو في حال الحياة التي كان فيها تعلّقها بالبدن من حيث المادّة والصورة جميعا.
وأمّا الوجوه الاخر التي نقلها صدر الأفاضل عن القوم في معنى الحديث ، فلا يكاد
__________________
(١) الشواهد الربوبيّة ، مع تعليقات الأستاذ الحكيم الآشتيانيّ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦ الإشراق السابع في الأمور الباقية من أجزاء الإنسان ، وليست فيها جملة «والإشارة إلى عذاب القبر» ، وفيها : «عند الشيخ المغربي» عوضا عن : «عند الشيخ الغزالي» ، وبعد المنام كانت يتصوّر بدنها الشخصىّ يتوهّم نفسه عين الإنسان المقبور ، يجد بدنه مقبورا ...
(٢) المراد ببعض الأعاظم هو السيّد الداماد.