العوامّ والمقلّدة ، يمكن أن يحمل على زوال اعتقاداتهم التي ليست راسخة ، سواء كانت اعتقادات غير راسخة بل حالّة ، أو لم تكن اعتقادا أيضا ، بل ظنّا أو هوى نفس ، أو نحو ذلك ، وسمّيت اعتقادا مجازا. وتلك الاعتقادات والحالات مثل الحالات الطارئة على نفوس المستضعفين منهم ، الذين لا اعتقاد لهم في الكفر والشرك ولا في الإيمان ، وهم عوامّ ومقلّدة ، فإنّ تلك الحالات لعدم كونها هيئة راسخة في نفوسهم ، يمكن أن تزول عنها وينقطع الشقاء بسببها خاصّة ، ومع ذلك فليس لهم السعادة أيضا ، بل إنّهم لو كانوا ممّن اكتسبوا الشوق إلى كمالاتهم النفسانيّة ولم يكتسبوها ، فهم معذّبون بترك الإيمان وبفقدهم كمالاتهم تعذيبا دائميّا كما دلّ عليه كلام الشيخ ، وإن لم يكونوا ممّن اكتسبوا الشوق إلى كمالاتهم ، كالنفوس الساذجة فلا شقاء لهم من هذه الجهة أيضا ، وإن لم تكن لهم سعادة أيضا بالشعور بكمالاتهم. والله تعالى أعلم بحقائق الحال.
في بيان حال النفوس البله
ثمّ إنّ قول الشيخ : «وأمّا النفوس البله التي لم تكتسب الشوق ، فإنّها إذا فارقت البدن .. إلى آخر ما ذكره في الفصل» بيان لكيفيّة حال النفوس الساذجة الصرفة ، بعد مفارقتها عن الأبدان ، كما سيأتي تحريره.
وتقييد النفوس البله ، بقوله : «التي لم تكتسب الشوق» يدلّ على أنّه أراد بالنفوس البله النفوس الساذجة مطلقا ، أعمّ من البله والمجانين والصبيان. كما أنّ قوله سابقا «وأمّا النفوس والقوى الساذجة الصرفة فكأنّها هيولى موضوعة لم تكتسب البتّة هذا الشوق» يدلّ على هذا التعميم أيضا.
وبالجملة ، فكلامه هنا قرينة على أنّه أراد في كلامه في «الإشارات» بالبله هذا المعنى الأعم أيضا ، كما أشرنا إليه فيما سلف من مبحث التناسخ.
ثمّ إنّ في كلامه مع الدلالة على هذا التعميم ، دلالة على تخصيص النفوس «البله بالنفوس الخالية عن الكمالات العلميّة خاصّة ، وعمّا يضادّها لا عن الكمالات العمليّة