الهداة ، وحسن أولئك رفيقا ، مهديّ هذه الأمة عليهالسلام.
وقال عبد الله بن عبّاس : هم قوم موسى وعيسى عليهالسلام ، قبل أن حرّفوا التوراة والإنجيل ، ويستفاد منه أنّ الصّراط المستقيم طريقهم.
وقال بعض العارفين : إنّ الصراط المستقيم عبارة عن الوسط الحقيقيّ بين الأخلاق الحميدة والذّميمة ، كالسّخاوة بين البخل والتّبذير ، والشّجاعة بين الجبن والتهوّر ، إذ هذه الأخلاق الحميدة لها طرفا إفراط وتفريط ، وهما مذمومان ، حيث إنّ اليمين والشّمال مضلّتان ، وبين الإفراط والتّفريط هو غاية البعد من الطّرف كالنّقطة من الدّائرة ، وعبّر الشّرع عن ذلك بالصّراط المستقيم ، وأمر الله تعالى نبيّه عليهالسلام بالاستقامة عليه ، كما قال تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) (١) ، وقال النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «شيّبتني سورة هود» (٢) ، وهو إشارة إلى هذه الآية في تلك السّورة ، وإشارة إلى صعوبة تحصيل هذه الدّرجة الّتي هي الاستقامة على هذا الصراط المستقيم.
وهذا الذي ذكرنا ، إنّما هو ذكر جملة من الأقوال في معنى الصّراط المستقيم ، وهذه الأقوال ، وإن كانت ترى بظاهرها مختلفة ، إلّا أنّه لا اختلاف في الحقيقة ، لكون مرجعها إلى أمر واحد ، أي الدّين القويم الذي هو الإسلام.
الصّراط الأخرويّ
كما دلّ عليه الأخبار الصّريحة التي هي غير قابلة للتّأويل ، ودلّ عليه الآيات القرآنيّة أيضا ، مثل قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٣) ، بناء على ما فسّره كثير من المفسّرين ، من أنّ المراد بورود جميع المكلّفين النّار ، إشراف الكلّ عليها حين مرورهم على الصّراط الممدود على متن جهنّم ، وإن كان لبعضهم دخول فيها أيضا.
__________________
(١) هود (١١) : ١١٢.
(٢) تفسير الصافي ، طبع الإسلامية ١ / ٨١٥ ذيل الآية ١١٣ من سورة هود ، وفيه : فاستقم كما أمرت ... عن ابن عبّاس : ما نزلت آية كان أشقّ على رسول الله عليهماالسلام من هذه الآية ، لهذا قال شيّبتني هود والواقعة وأخواتها.
(٣) مريم (١٩) : ٧١.