ونبينا محمد صلىاللهعليهوسلم لا نزيد على ذلك شيئا وهو أن قول القائل القرآن ، وقوله كلام الله تعالى كلاهما معنى واحد واللفظان مختلفان ، والقرآن هو كلام الله تعالى على الحقيقة لا على المجاز ، ويكفر من لم يقل بذلك. ونقول إن جبريل عليهالسلام نزل بالقرآن الذي هو كلام الله تعالى على الحقيقة على قلب محمد صلىاللهعليهوسلم كما قال تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [سورة الشعراء : ١٩٤].
ثم نقول : إن قولنا القرآن وقولنا كلام الله تعالى لفظ مشترك يعبر به عن خمسة أشياء فنسمي الصوت المسموع الملفوظ به قرآنا ، ونقول إنّه كلام الله تعالى على الحقيقة ، وبرهان ذلك قول الله عزوجل (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) [سورة التوبة : ٦] (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [سورة البقرة : ٧٥].
وقوله تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) [سورة المزمل : ٢٠]. وأنكر على الكفار ، وصدّق مؤمني الجن في قولهم : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) [سورة الجن : ١]. فصحّ أن المسموع وهو الصوت الملفوظ به : هو القرآن حقيقة ، وهو كلام الله تعالى حقيقة ، ومن خالف هذا فقد عاند القرآن ، ويسمّى المفهوم من ذلك الصوت قرآنا ، وكلام الله تعالى على الحقيقة. فإذا فسرنا الزكاة المذكورة في القرآن والصلاة والحج وغير ذلك قلنا في كل هذا : هذا كلام الله وهو القرآن ويسمى القرآن المصحف كله قرآنا وكلام الله ، وبرهاننا على ذلك قول الله تعالى : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [سورة الواقعة : ٧٨ ، ٧٩].
وقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو لئلا يناله العدو (١) وقوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) [سورة البينة : ١ ـ ٣].
وكتاب الله تعالى هو القرآن بإجماع الأمة ، وقد سمى رسول الله صلىاللهعليهوسلم المصحف قرآنا والقرآن كلام الله تعالى بإجماع الأمة ، فالمصحف كلام الله تعالى حقيقة لا مجازا ويسمى المستقر في الصدور قرآنا ونقول إنه كلام الله تعالى ، برهاننا على ذلك قول
__________________
(١) رواه البخاري في الجهاد ، باب ١٢٩. ومسلم في الأمارة حديث ٩٢ و ٩٣ و ٩٤. وأبو داود في الجهاد باب ٨١. وابن ماجة في الجهاد باب ٤٥. ومالك في الجهاد حديث ٧. وأحمد في المسند (٢ / ٦ ، ٧ ، ١٠ ، ٥٥ ، ٦٣ ، ٧٦ ، ١٢٨).