قاله عليهالسلام فبوحي من الله قاله ، وكل عمل عمله فبإذن من الله تعالى ورضى منه عمله ، فأخبرونا عن سلامه صلىاللهعليهوسلم من ركعتين ، ومن ثلاث ، وقيامه من اثنتين ، وصلاته الظهر خمسا ، وإخباره بأنه يحكم بالحق في الظاهر لمن لا يحل له أخذه ممن يعلم أنه في باطن الأمر بخلاف ما حكم له به من ذلك؟ أبوحي من الله تعالى وبرضاء فعل كل ذلك؟ أم كيف تقولون؟ وهل يلزم المحكوم عليه والمحكوم له الرضا بحكمه ذلك وهما يعلمان أن الأمر بخلاف ذلك ، أم لا ..؟
قال أبو محمد : فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن كل ما ذكرنا هاهنا فبوحي من الله تعالى فعله.
وكل من قدر ولم يشك في أنه أتم صلاته فالله تعالى أمره بأن يسلم ، فإذا علم بعد ذلك أنه يسهو فقد لزمه الإتمام وسجود السهو. برهان ذلك أنه لو تمادى ولم يسلم قاصدا إلى الزيادة في صلاته على تقديره أنه قد أتمها لبطلت صلاته كلها بلا شك باطنا وظاهرا ، ولاستحق اسم الفسق والمعصية ، وكذلك من قدر أنه لم يصلّ إلا ركعة واحدة أو أنه لم يتم صلاته ، فالله تعالى أمره بالزيادة في صلاته يقينا حتى لا يشك في الإتمام وبأن يقوم إلى ثانية عنده ، فمتى علم بأن الأمر كان بخلاف ذلك فصلاته تامة ولزمته حينئذ شريعة سجود السهو. وبرهان ذلك أنه لو قعد من واحدة عنده متعمدا مستهزئا أو سلم من ثلاث عنده متعمدا ، لبطلت صلاته جملة ولاستحق اسم الفسق والمعصية ، لأنه فعل خلاف ما أمره الله تعالى به.
وكذلك أمره الله ، وأمرنا ، بالحكم بالبينة العدالة عندنا وباليمين من المنكر وبإقرار المقر ، وإن كانت البينة عامدة لكذب في غير علمنا وكانت اليمين والإقرار كاذبين في الباطن ، وافترض الله علينا بذلك سفك الدماء التي لو علمنا الباطن لحرمت علينا ، وهكذا في الفروج والأموال.
برهان ذلك : أن حاكما لو شهدت بينة عدلة عنده فلم يقض بها وقضى باليمين على المنكر الذي لا بينة عليه فحلف ثم قضى عليه لكان القاضي فاسقا بلا خلاف عاصيا لله عزوجل لخلافه ما أمره الله سبحانه وتعالى به ، وإن وافق حقا لم يكن علم به وفرض على المحكوم عليه والمحكوم له أن يرضيا بالحكم بالبينة واليمين ، وأن يصيرا في أنفسهما إلى حقيقة علمهما في أخذ الحق وإعطائه ، وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : وذكروا قول الله تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) [سورة يوسف آية رقم ١١٠] بتخفيف