بموسى جملة ، لأن الله عزوجل قد وعدها برده إليها ، إذ قال لها تعالى : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [سورة القصص : ٧].
فمن الباطل المحض أن يكون الله تعالى ضمن لها رده إليها ثم يصبح قلبها مشغولا بالهم بأمره. هذا ما لا يظن بذي عقل أصلا. وإنما معنى قوله تعالى إن كادت لتبدي به ، أي سرورا بما آتاه الله عزوجل من الفضل وقولها لأخته «قصيه» إنما هو لترى أخته كيفية قدرة الله تعالى في تخليصه من يدي فرعون عدوه بعد وقوعه فيهما وليتم بها ما وعدها الله تعالى من رده إليها فبعثت أخته لترده بالوحي.
وذكروا قول الله تعالى عن موسى عليهالسلام : (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) [سورة الأعراف : ١٥٠] (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) [سورة طه : ٩٤].
قالوا : وهذه معصية أن يأخذ بلحية أخيه وشعره ، وهو نبي مثله ، وأسن منه ولا ذنب له.
قال أبو محمد : وهذا ليس كما ظنوا وهو خارج على وجهين.
أحدهما : أنه أخذ برأس أخيه ليقبل بوجهه عليه ويسمع عتابه له إذ تأخر عن اتباعه إذ رآهم ضلوا ، ولم يأخذ بشعر أخيه قط إذ ليس ذلك في الآية أصلا ، ومن زاد ذلك فيها فقد كذب على الله تعالى ، لكن هارون عليهالسلام خشي بادرة من موسى عليهالسلام وسطوة ، أو رآه قد اشتد غضبه فأراد توقيفه بهذا الكلام عما تخوفه منه.
وليس في هذه الآية ما يوجب غير ما قلناه ، ولا أنه مد يده إلى أخيه أصلا ، وبالله تعالى التوفيق.
والثاني : أن هارون عليهالسلام قد يكون استحق في نظر موسى عليهالسلام النكير لتأخره عن لحاقه إذ رآهم ضلوا ، فأخذه برأسه منكرا عليه ، ولو كان هذا لكان إنما فعله موسى عليهالسلام غضبا لربه عزوجل ، وقاصدا بذلك رضاء الله تعالى ، ولسنا نبعد ذلك من الأنبياء عليهمالسلام ، وإنما نبعد القصد إلى المعصية وهم يعلمون أنها معصية ، وهذا هو معنى ما ذكره الله تعالى عن إبراهيم خليله صلىاللهعليهوسلم إذ قال : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [سورة الشعراء : ٨٢] وقول الله تعالى لمحمد صلىاللهعليهوسلم : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [سورة الفتح : ٢]. إنما الخطيئة المذكورة والذنوب المغفورة ما وقع بنسيان أو بقصد إلى الله تعالى إرادة الخير فلم يوافق رضي الله عزوجل بذلك فقط. وذكروا قول موسى عليهالسلام للخضر عليهالسلام : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) [سورة الكهف : ٧٤]. فأنكر موسى عليه