قال أبو محمد : وهذا لا خلاف فيه من أحد إلّا أن الجبائي المعتزلي ومحمد بن الطيب الباقلاني ذهبا من بين جميع الأمة إلى أن من كانت له ذنوب فإنه لا تقبل له توبة من شيء منها حتى يتوب من الجميع واتبعهما على ذلك قوم وقد ناظرنا بعضهم في ذلك وألزمناه أن يوجبوا على كل من أذنب ذنبا واحدا إن ترك الصلاة الفرض ، والزكاة ، وصوم رمضان والجمعة والحج ، والجهاد ، لأن إقامة كل ذلك توبة إلى الله من تركها فإن كانت توبته لا تقبل من شيء حتى يتوب من كل ذنب له فإنه لا تقبل له توبة من ترك صلاة ولا من ترك صوم ولا من ترك زكاة إلا حتى يتوب من كل ذنب له وهذا خلاف لجميع الأمة إن قالوه أو تناقض إن لم يقولوه مع أنه قول لا دليل لهم على تصحيحه أصلا وما كان هكذا فهو باطل قال الله تعالى : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة آية رقم ١١١].
وقال تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) [سورة الطلاق آية رقم ٢].
وقال تعالى : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة التحريم آية رقم ٤].
فصح يقينا بهذا اللفظ أن فينا غير عدل وغير صالح ، وهما منا ونحن المؤمنين فهو مؤمن بلا شك. وقال تعالى : (فَإِنْ تابُوا) يعني من الشرك (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) [سورة التوبة آية رقم ١١].
وهذا نص جلي على أن من صلى من أهل شهادة الإسلام وزكى فهو أخونا في الدين ولم يقل تعالى ما لم يأت بكبيرة فصح أنه منا وإن أتى بالكبائر.
قال أبو محمد : فإن ذكروا قول الله تعالى : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) [سورة النساء آية رقم ١٤٣].
وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ) [سورة المجادلة آية رقم ١٤].
وراموا بذلك إثبات أنه لا مؤمن ولا كافر فهذا لا حجة لهم فيه لأن الله تعالى إنما وصف بذلك المنافقين المبطنين للكفر المظهرين للإسلام فهم لا مع الكفار ولا منهم ولا إليهم لأن هؤلاء يظهرون الإسلام وأولئك لا يظهرونه ، ولا هم مع المسلمين ولا منهم ولا إليهم لإبطانهم الكفر وليس في هاتين الآيتين أنهم ليسوا كفارا وقد قال عزوجل : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [سورة المائدة آية رقم ٥١]. فصح يقينا أنهم كفار لا مؤمنون أصلا وبالله تعالى التوفيق.
ويقال لمن قال إن صاحب الكبيرة منافق : ما معنى هذه الكلمة؟ فجوابهم الذي