(وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) [سورة الفجر : ٩ ـ ١٢] ، بل سوىّ في التوفيق بين جميعهم ، ولم يقدر لهم على مزيد من الصلاح ، لقليل (١) الحياء عديم الدين ، وما جوابه إلا قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) [سورة الفجر : ١٤] وقال ـ عزوجل ـ : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) [سورة البقرة : ٢١٣].
قال أبو محمد : فأيما كان أصلح للكفار المخلدين في النار أن يكونوا مع المؤمنين أمة واحدة ، لا عذاب عليهم ، أم بعثه الرسل إليهم وهو ـ عزوجل ـ يدري أنهم لا يؤمنون فيكون ذلك سببا إلى تخليدهم في جهنم؟
وقال تعالى : (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [سورة الأعراف : ١٨٣].
وقال تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) [سورة آل عمران : ١٧٨].
وقال تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [سورة المؤمنون : ٥٥ ، ٥٦].
وقال تعالى : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [سورة الأعراف : ١٨٢ ، سورة القلم : ٤٤].
قال أبو محمد : وهذا غاية البيان في أن الله عزوجل أراد بهم وفعل بهم ما فيه فساد أديانهم وهلاكهم ، الذي هو ضد الصلاح ، وإلّا فأيّ مصلحة لهم في أن يستدرجوا إلى الهلاك من حيث لا يعلمون ، وفي الإملاء لهم ليزدادوا إثما؟ ونص تعالى أن كل ذلك الذي فعله ليس مسارعة لهم في الخير فبطل قول هؤلاء الهلكى جملة والحمد لله رب العالمين.
وقال تعالى : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) [سورة الإسراء : ١٦].
فهل بعد هذا بيان في أن الله عزوجل أراد هلاكهم ودمارهم ولم يرد صلاحهم فأمر مترفيها بأوامر خالفوها ففسقوا فدمروا تدميرا؟
فأيما كان أصلح لهم أن لا يؤمروا فيسلموا ، أو أن يؤمروا وهو ـ تعالى ـ يدري أنهم لا يأتمرون ، فيدخلون النار؟
__________________
(١) سياق العبارة : «إن من ساوى بين الأمرين .. لقليل الحياء .. الخ» وما بينها أسطر معترضة.