نقدر عليه ثم إن
شاء أعطانا ما سألناه وإن شاء منعنا إيّاه لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل.
قال أبو محمد :
وإن في ابتداء كتاب الله ـ عزوجل ـ المنزل إلينا
بقوله ـ تعالى ـ آمرا لنا أن نقوله راضيا منّا أن نقوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا
الضَّالِّينَ) [سورة الفاتحة : ٦
، ٧]. ثم ختم ـ تعالى ـ كتابه آمرا لنا أن نقوله راضيا بقوله : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ
النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ
فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [سورة الناس].
لأبين بيان في
تكذيب القائلين بأنه ليس عند الله ـ تعالى ـ أصلح مما فعل وأنه غير قادر على كف
وسوسة الشيطان ، ولا على هدى الكفار هدى يستحقون به الثواب كما وعد المهتدين ،
لأنه ـ عزوجل ـ نصّ على أنه هو
المطلوب منه العون لنا والهدى إلى صراط من خصّه بالنعمة عليه ، لا إلى صراط من غضب
عليه ـ تعالى ـ وضلّ فلو لا أنه ـ تعالى ـ قادر على الهدى المذكور ، وأن عنده عونا
على ذلك لا يؤتيه إلا من شاء دون من لم يشأ ، وأنه ـ تعالى ـ أنعم على قوم بالهدى
ولم ينعم به على آخرين لما أمرنا أن نسأله من ذلك ما ليس يقدر عليه أو ما قد
أعطانا إياه ونص ـ تعالى ـ على أنه قادر على صرف وسوسة الشيطان ، فلو لا أنه ـ
تعالى يصرفها عمن يشاء لما أمرنا ـ عزوجل ـ أن نستعيذ مما
لا يقدر على الإعاذة منه ، أو ممّا قد أعاذنا بعد منه.
قال أبو محمد :
ولا مخلص لهم من هذا أصلا ثم نسألهم أيّ مصلحة للعصاة في أن جعل بعض حركاتهم
وسكونهم كبائر يستحقون عليها النار ، وجعل بعض حركاتهم وسكونهم صغائر مغفورة ،
ولقد كان أصلح أن يجعلها كلها صغائر مغفورة؟
فإن قالوا : هذا
أزجر عن المعاصي وأصلح.
قيل لهم : فهلّا
إذ هو كما تقولون جعلها جميعها كبائر زاجرة ، فهو أبلغ في الزجر! قال أبو محمد :
وقد نص الله ـ تعالى ـ في القرآن في آيات كثيرة لا تحتمل تأويلا بتكذيب المعجّزين
لربهم ـ تعالى ـ وليس يمكنهم وجود آية ولا سنة يتعلقون بها أصلا ، فمنها قوله ـ
تعالى ـ : (إِنْ هِيَ إِلَّا
فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) [سورة الأعراف :
١٥٥].
أفلم يكن عنه أصلح
من فتنة يضل بها بعض خلقه حاشا لله من هذا الكفر والتعجيز.