يحضونهم ويغلبونهم على أنفسهم بركوب الفاحشة إذا كان ليعوضهم أفضل الثواب فليس خذلانا. فقلنا : دعونا من لفظة الخذلان فلسنا نجيزها لأن الله تعالى لم يذكرها في هذا الباب لكنا نقول لكم إذا كان قتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أعظم ما يكون من الكفر والظلم وكان الله عزوجل بقولكم قد أسلم أنبياءه صلوات الله عليهم إلى أعدائه ليعوضهم أجلّ عوض فقد أقررتم بزعمكم أن الله تعالى أراد إسلامهم إلى أعدائهم وإذا أراد الله عزوجل ذلك فقد أراد بإقراركم كون أعظم ما يكون من الكفر وشاء وقوع أعظم الضلال ورضي ذلك لأنبيائه عليهمالسلام على الوجه الذي تقولون كائنا ما كان وهذا ما لا مخلص لهم منه.
وأيضا فنقول لهذا القائل : إذا كان إسلام الأنبياء إلى أعداء الله عزوجل يقتلونهم ليس ظلما وعبثا على توجيهكم المناقض لأصولكم في أنه أدى إلى أجزل الجزاء فليس خذلانا ، وكذلك إسلام المسلم إلى عدوه يحضه ويرتكب فيه الفاحشة فهو على أصولكم خير وعدل فيلزمكم أن تمنوا بذلك وأن تسروا بما نيل من الأنبياء عليهمالسلام في ذلك وأن تدعوا فيه إلى الله تعالى وهذا خلاف قولكم وخلاف إجماع أهل الإسلام وهذا ما لا مخلص لهم منه ولا يلزمنا نحن ذلك لأننا لا نسر إلا بما أمرنا الله تعالى بالسرور به ولا نتمنى إلا ما قد أباح لنا تعالى أن ندعوه فيه وكل فعله عزوجل وإن كان عدلا منه وخيرا فقد افترض تعالى علينا أن ننكر من ذلك ما سماه من غيره ظلما وأن نبرأ منه ولا نتمناه لمسلم فإنما نتبع ما جاءت به النصوص فقط وبالله تعالى التوفيق.
وقال قائل من المعتزلة : إذا حملتم قوله تعالى : (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) [سورة فصلت : ٤٤] فما يدريكم لعله عليكم عمى.
قال أبو محمد : فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن الله تعالى قد نصّ على أنه لا يكون عمى إلا على الذين لا يؤمنون ونحن مؤمنون ولله تعالى الحمد فقد أمنا ذلك وقد ذمّ الله تعالى قوما حملوا القرآن على غير ظاهره ، فقال تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [سورة النساء : ٤٦ ، المائدة : ١٣].
فهذه صفتكم على الحقيقة الموجودة فيكم حسا فمن حمل القرآن على ما خوطب به من اللغة العربية واتبع بيان الرسول صلىاللهعليهوسلم فالقرآن له هدى وشفاء ومن بدل كلمه عن مواضعه وادّعى فيه دعاوى برأيه وكهانات بظنه وأسرارا غمض وأعرض عن بيان الرسول صلىاللهعليهوسلم ، المبين عن الله تعالى بأمره ، ومال إلى قول المنانية ؛ فهو الذي عليه القرآن عمى وبالله تعالى التوفيق.