وجل على ابن آدم في قوله لأخيه : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) [سورة المائدة : ٢٩] فهذا ابن آدم الفاضل قد أراد أن يكون أخوه من أصحاب النار وأن يبوء بإثمه مع إثم نفسه. وقد صوب الله عزوجل قول موسى وهارون عليهماالسلام : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) [سورة يونس : ٨٨].
فهذا موسى وهارون عليهماالسلام قد أراد وأحبّا أن لا يؤمن فرعون وأن يموت كافرا إلى النار. وقد جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه دعا على عتبة بن أبي وقاص أن يموت كافرا إلى النار فكان كذلك.
قال أبو محمد : وأصدق الله عزوجل أنا عن نفس التي هو أعلم بما فيها مني أن الله تعالى يعلم أني لأسر بموت عقبة بن أبي معيط كافرا وكذلك أمر أبي لهب لأذاهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولتتم كلمة العذاب عليهما وأن المرء ليسرّ بموت من استبلغ في أذاه ظلما بأن يموت على أقبح طرائقه ، وقد روينا هذا عن بعض الصالحين في بعض الظلمة ولا حرج فيمن استن بمحمد وبموسى وبأفضل ابني آدم صلى الله عليهم وسلم. وليت شعري أي فرق بين لعن الكافر والظالم والدعاء عليه بالعذاب في النار وبين الدعاء عليه بأن يموت غير متوب عليه والمسرة بكلا الأمرين؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقال عزوجل : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) [سورة النساء : ٩٠].
وقال تعالى : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) [سورة آل عمران : ١٢٦].
وقال تعالى : (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) [سورة المائدة : ١١].
وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ) [سورة الفتح : ٢٤].
فصح يقينا أن الله تعالى يسلط الكفار على من سلطهم عليهم من الأنبياء ، وعلى أهل بئر معونة ويوم أحد ، ونصرهم إملاء لهم وابتلاء للمؤمنين وإلّا فيقال لمن أنكر هذا : أتراه تعالى كان عاجزا عن منعهم؟ فإن قالوا نعم. كفروا ونافقوا لأن الله تعالى قد نص على أنه كف أيدي الكفار عن المؤمنين إذ شاء وسلط أيديهم على المؤمنين ولم يكفها إذ شاء.
قال أبو محمد : وقال بعض شيوخ المعتزلة : إن إسلام الله تعالى من أسلم من الأنبياء إلى أعدائه فقتلوهم وجرحوهم وإسلام من أسلم من الصبيان إلى أعدائه