حصول هذه الأشياء عقيب هذه الأمور على سبيل العادة ، لا على سبيل الوجوب. فكذا هاهنا.
الثالث : لم لا يجوز أن يقال : إن ذلك الفعل كان واجب الحدوث في ذلك الوقت بعينه لذاته ، وكان ممتنع الحدوث في سائر الأوقات لعينه ولذاته؟ وهذا غير مستبعد على أصول المعتزلة. وذلك لأن عندهم الأعراض التي لا تبقى ، يختص (١) حدوث كل واحد منها بوقت معين ، مع أنه كان يمتنع حدوثه قبل ذلك أو بعده. فإذا عقل اختصاص ذلك الجواز بوقت دون وقت ، فلم لا يجوز أيضا أن يختص وجوب حدوث هذه الأفعال ، بوقت دون وقت ، لا لمؤثر أصلا البتة؟ وعلى هذا التقدير ، يمتنع أن يقال : إن ذلك الفاعل إنما وقع بقدرة العبد. وعلى هذه الشبهة [أصول كثيرة ، شرحناها في كتاب «نهاية العقول»].
وأما الشبهة (٢) الثانية : وهي قوله : «لو لم يكن العبد موجدا لأفعال نفسه ، لزم أن لا يكون متمكنا من الفعل والترك».
فالجواب عنها : أن نقول : هذا أيضا لازم عليكم في صور كثيرة :
أولها : إن علم الله متعلق بجميع الجزئيات. وما علم أنه يقع : محال أن يقع ، وما علم أنه لا يقع : محال أن يقع. فيلزمهم في العلم ، كل ما ألزموه علينا في الإيجاد.
الثاني : إنه تعالى أخبر عن «أبي جهل» أنه لا يؤمن ، فلو صدر عنه الإيمان ، انقلب الخبر الصدق : كذبا. وذلك محال. والمفضي إلى المحال : محال. فلزمهم في الجبر ما ألزموه علينا.
الثالث : أن يقال : كلف «أبو لهب» بالإيمان. ومن الإيمان تصديق الله في كل ما أخبر عنه. ومما أخبر عنه : أنه لا يؤمن. فقد صار مكلفا بأن يؤمن بأنه لا يؤمن.
__________________
(١) تخصيص (م).
(٢) من (ط ، ل).