بالقصد ، وهي ليست من العبد ، وإلا لزم التسلسل. فهي من الله. وذاك من أقوى البراهين في أن العبد غير مستقل بفعل [العبادة (١)].
الفصل الثامن
في
قوله : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
قالوا : هذا إنما يتم على قولنا : إن للعبد فعلا وتصرفا. لأن الاستعانة والإعانة [لا يعقلان (٢)] إلا في القادر على الفعل. أما إذا لم يكن له فعل ، فكيف تعقل الاستعانة؟ وهل يجوز أن يقال : إياك أستعين في طولي وفي قصري ، وفي خلق السماء والأرض؟ ولما لم يجز ذلك علمنا : أن الاستعانة هي طلب المعونة على ما يقدر العبد عليه ، ويحصل من جهته. وأيضا : فقوله (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) : نص في كون العبد فاعلا لهذا الطلب. فوجب كونه مستقلا بالفعل.
قال أهل السنة والجماعة : هذه الآية من أدل الدلائل. لأن الآية تدل على طلب الإعانة وهذه الإعانة إما أن تكون عبارة عن تحصيل نفس الإيمان [أو عبارة عن تحصيل الإعانة على العبادة (٣)] والأول باطل ويدل عليه وجهان :
الأول : إن كل ذلك حاصل. وطلب الحاصل عبث.
الثاني : إن على هذا التقدير تكون هذه الإعانة إعانة في تحصيل القدرة بالآلة وإزالة الموانع ، لا في نفس العبادة. والآية دالة على أن المطلوب في هذا الدعاء هو تحصيل الإعانة على العبادة. لأنه ذكر العبادة أولا في قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وهذا يدل على أن المطلوب هو الاستعانة فيما
__________________
(١) سقط (م).
(٢) من (م ، ل).
(٣) زيادة