والقسمان باطلان ، فالقول بأن قدرة العبد مؤثرة في حدوث الفعل : محال. إنما قلنا ؛ إنه ممتنع أن يحصل ذلك التأثير بتركه من ذلك المحل [لأن ذلك المحل (١)] ليس له إلا كونه قابلا للصفات.
أعني : أنه لا يمتنع حصول هذه الصفات فيه ، ولا يمتنع لا حصولها أيضا فيه. فلو جعلنا المحل جزءا من المؤثر ، لكنا قد جعلنا القابل جزءا من الموجد. وذلك محال. لأن هذه القابلية طبيعتها طبيعة الإمكان الخاص. والموجدية طبيعتها طبيعة الوجوب. والإمكان الخاص ينافي الوجوب. وكون المنافي جزء من المنافي الآخر محال في العقول. وإنما قلنا : إنه يمتنع أن يكون تأثير القدرة في حدوث ذلك الفعل ، لا شركة من ذلك المحل. وذلك لأن وجود الشيء جزء من كونه موجدا لغيره فلو كانت هذه القدرة غنية في مؤثريتها عن ذلك المحل ، لكانت غنية أيضا في وجودها عن ذلك المحل. لأنه متى كان المركب غنيا عن شيء ، كان كل واحد من بسيطه [أيضا (٢)] غنيا عنه. فثبت : أن هذه القدرة لو كانت في مؤثريتها في الفعل غنية عن ذلك المحل ، لكانت في وجودها أيضا غنية عن ذلك المحل. وذلك محال. فثبت بما ذكرنا : أن القدرة لو كانت مؤثرة في وجود الفعل ، لكان ذلك التأثير إما أن يكون بشركة من ذلك المحل ، أو لا بشركة من ذلك المحل ، وثبت كون كل واحد من هذين القسمين باطلا. فثبت : أن القدرة غير مؤثرة في حدوث الفعل.
وهذا هو دليل الحكماء على أن القوى الجسمانية غير مؤثرة في الوجود أصلا.
وبالله التوفيق
البرهان العاشر
لو كان فعل العبد يحدث بإيجاد العبد ، لوجب أن لا يجد إلا ما أراده العبد. واللازم باطل ، فالملزوم مثله.
__________________
(١) من (م ، ل)
(٢) من (ط).