وصحة صدور الكتابة ممن لا يد له ولا قلم. ويلزم تجويز أن تقدر (١) النملة على نقل الجبال ، وأن لا يقوى الفيل على نقل الذرة ، وأن يجوز من الممنوع المقيد : المقدرة ، وأن يعجز القادر الصحيح المخلي : من تحريك الأنملة. وفي زوال الفرق بين القوي والضعيف ، وفساد تصرفاتهم في حبس السراق وقطاع الطريق. وكل ذلك معلوم الفساد بالضرورة.
الحجة الخامسة عشر : لو جوزنا صدور القبائح من الله تعالى فلعل هذه العلوم البديهية الحاصلة فينا ، كلها جهالات ، خلقها الله فينا ، وجعلها فرية متأكدة في قلوبنا. وتجويز ذلك يفضي إلى الشك في البديهيات ، وكل باطل محال.
فهذا مجموع كلام القوم في هذا الباب.
واعلم : أن هذه الوجوه ـ وإن كثرت ـ إلا أن حاصلها راجع إلى شبهات (٢) أربعة:
أولها : إن وجود أفعالنا دائر مع حصول قصورنا وإرادتنا ، فوجب أن يكون وقوع هذه الأفعال بها.
وثانيها : إن المكنة من الفعل والترك ، أمر وجداني اضطراري ، وكون الله تعالى موجدا لأفعال العباد ، يبطل هذا الوجدان.
وثالثها : إن العبد لو لم يكن موجدا لأفعال نفسه ، يلزم أن يكون تكليفه جاريا مجرى تكليف العاجز. وذلك قبيح في العقل. ولزم كونه تعالى خالقا لهذه القبائح ، وبشتم نفسه. وكل ذلك قبيح في العقول.
ورابعها : إنه لو لم يكن العبد موجدا لأفعال نفسه ، لزم العجز عن إثبات الإله ، وعن إثبات النبوة ، وعن كون القرآن معجزا. وكل ذلك باطل.
__________________
(١) تقوى (م).
(٢) أمور [الأصل].