في نار جهنم. ولو كان كذلك ، لما كان لله نعمة على الكافر أصلا في الدين. وأيضا : على هذا التقدير ، وجب أن لا يكون له عليه شيء من النعم الدنيوية ، لأن اللذات العاجلة بالنسبة إلى العقوبة الأبدية. كالقطرة في البحر. وذلك لا يعد نعمة. ألا ترى أن من جعل السم في الحلو ، فإن اللذة الحاصلة من تناول ذلك [الحلو (١)] لا تعد نعمة. فكذا هاهنا. ومتى التزم ملتزم فقد خالف الكتاب. قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) (٢) وقال : (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) (٣).
الحجة الثانية عشر : لو خلق الظلم والجور والفساد ، لصح وصفه بأنه ظالم وجائر ومفسد ، لأنه لا معنى للظالم إلا كونه فاعلا للظلم. ولذلك فإنه لا يصح إثبات أحدهما مع نفي الآخر. وأيضا : فإنه لما فعل العدل سمي عادلا ، فكذا لو فعل الظلم وجب أن يسمى ظالما ، بل يجب أن لا يسمى العبد ظالما وسفيها ، لأنه لم يفعل شيئا من ذلك.
الحجة الثالثة عشر : لو جاز أن يخلق الكفر في الكافر ، ثم يقول له : لا تكفر. لجاز أن يقيد يديه ورجليه ثم يرميه من شاهق الجبل ، ويقول له : ارجع. ولجاز تكليف الأعمى بنقط المصحف. بل يلزم جواز التكليف بخلق العدم ، والجمع بين السواد والبياض. ولو جاز ذلك ، لجاز تكليف الجمادات. وكل ذلك باطل بالضرورة.
الحجة الرابعة عشر : لو كان تعالى هو الخالق لأعمال العباد ، لكان إما أن يتوقف خلقه لها على دواعيهم وقدرهم ، أو لا يتوقف. والأول باطل. لأنه يلزم منه أن يكون تعالى محتاجا إلى إرادتهم وقدرتهم. والثاني باطل لأنه يلزم أن يصح منه تعالى خلق تلك الأفعال من دون قدرتهم وإرادتهم. فيلزم صحة أن توجد الكتابة والصياغة المحكمتان فيمن لا يكون عالما بالصياغة والكتابة ،
__________________
(١) من (ط).
(٢) سورة إبراهيم ، آية : ٢٨.
(٣) سورة القصص ، آية : ٧٧.