وذلك التأويل ما نقل عن ابن عباس أنه قال : (إِلَّا وَجْهَهُ) معناه : «إلا العمل الذي يؤتي به لمرضاة الله تعالى» وعلى هذا التقدير ، فيكون المراد بوجه الله : تلك الأعمال. وحينئذ لا تدل الآية على وقوع اسم الشيء على الله تعالى.
المقام الثاني : لو سلمنا أنه تعالى مسمى باسم الشيء ، إلا أنه تعالى لما حكم بكونه خالقا لكل شيء. كان هذا تصريحا بأن المراد : كونه خالقا ، لكل ما عداه ، من الأشياء ، لما ثبت أن المخاطب ، لا يندرج تحت الخطاب في أمثال هذه الألفاظ.
فهذا مجموع ما قيل في بيان أن هذا العموم غير مخصوص. لأنا نقول : أما بيان أن الله تعالى مسمى باسم الشيء. فلإجماع العلماء المتأخرين عليه. ولا عبرة بمخالفة «جهم» فإنه ليس ممن يعتبر قوله في الإجماع.
وأما أن هذا التعميم مخصوص فلأن قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ) يتناول ذات الله. وإنما أخرجناه لما ذكرتم من القرينة. فكان هذا تخصيصا للعموم. ثم نقول : إن هذا العموم مخصوص ، فوجب أن لا يبقى حجة ، لأنه لما دخله التخصيص ، لم يبق ظاهره مرادا. فوجب صرفه إلى بعض المجازات ، وليس بعضها أولى من بعض ، فيصير مجملا. وهذا هو تقرير قول من يقول : إلا أنا نقول : لا شك أن تخصيص عموم القرآن بالدليل : جائز. وهاهنا قد وجدت دلائل متصلة بهذا النص ، ودلائل منفصلة عنه تقتضي تخصيص هذا العموم بالنسبة إلى أفعال العباد.
أما الدلائل المتصلة : فمن وجوه :
الأول : إن قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) مذكور في معرض المدح والثناء. لأنه تعالى قال في سورة الأنعام : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. فَاعْبُدُوهُ. وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ. لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (١) فأول هذه الآية مدح ، وآخرها مدح ، فوجب أيضا : أن يكون
__________________
(١) سورة الأنعام ، آية : ١٠٢ ـ ١٠٣.