فثبت : أنه تعالى لو كان مسمى بالشيء ، لكانت هذه الآية كذبا. ولما بطل ذلك علمنا أنه تعالى غير مسمى بهذا الاسم.
الثالث : قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) (١) دل هذا النص : على أنه يجب أن يدعى الله بالأسماء الحسنة. ولو كان لفظ «الشيء» واقعا على الله ، لجاز أن يدعى الله بهذا الاسم. لكن هذا الاسم ليس من الأسماء الحسنى. فإنه كونه شيئا ، لا يدل على صفة من صفات الكمال والجلال. فجواز دعوة الله بهذا الاسم ينافي ما دل عليه قوله : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها).
فثبت بهذه الوجوه الثلاثة : أنه تعالى لا يطلق عليه اسم الشيء ، فلم يلزم كون هذه الآية مخصوصة.
قالوا : وليس لكم أن تقولوا : الدليل على أنه تعالى مسمى بالشيء. قوله تعالى : (قُلْ : أَيُّ شَيْءٍ : أَكْبَرُ شَهادَةً؟ قُلِ : اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (٢) وأيضا : قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٣) استثنى وجهه عن الشيء. والمستثنى يجب أن يكون داخلا تحت المستثنى منه. قالوا : لأن قوله تعالى : (قُلْ : أَيُّ شَيْءٍ : أَكْبَرُ شَهادَةً؟) سؤال وجوابه : ما جاء في قوله : (قُلِ : اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) فإنها جملة تامة مستقلة بنفسها ، لا تعلق لها بما قبلها. فلم تدل هذه الآية على أنه تعالى مسمى بالشيء. أما قوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) فظاهر هذه الآية يقتضي أن يصير كل شيء هالكا إلا وجه الله. وذلك محال. لأن الوجه هو العضو المخصوص ، وذلك على الله محال. ولأن بتقدير أن يكون جسما ، فظاهر الآية يقتضي أنه بقي ، ولا يبقى منه إلا الوجه. وذلك محال.
فثبت : أنه لا يمكن إجراء هذه الآية على ظاهرها ، فلا بد من تأويلها ،
__________________
(١) سورة الأعراف ، آية : ١٨٠.
(٢) سورة الأنعام ، آية : ١٩.
(٣) آخر القصص.