المتوسط مدحا ، وإلّا لصار الكلام : ركيكا. فثبت : أن قوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) : مذكور في معرض المدح والثناء على الله تعالى. وكونه فاعلا للجهل والكفر والقبائح والفواحش ، يوجب الذم العظيم. بل نقول : إن على مذهب المجبرة ، لا مذموم إلا وفاعله هو الله تعالى ، فوجب أن لا يستحق الذم أحد إلا الله. وأيضا : لو كان تعالى موجدا لأفعال العباد ، ثم يأمرهم بالطاعة والإيمان ، صار كأنه يقول لعبيده : يا من لا يمكن أن يفعل : افعل. وكأنه يضرب الزمن ، ويقول له : طرفي الهواء ، ويضرب الأعمى ، ويأمره بنقط المصاحف ، ويقيد يدي عبده ورجليه ويرميه من شاهق جبل ، ثم يضربه فيما بين الهواء ، ويقول له : قف. ومعلوم : أن مثل هذا الشخص لا يوجد في الدنيا ، أشد استحقاقا للذم منه.
فثبت بما ذكرنا : أن قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) مذكور في معرض المدح والثناء، وثبت أن كونه خالقا لأفعال العباد ، يوجب الذم العظيم ، فصارت هذه القرينة : قرينة دالة على أن عموم قوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) : مخصوص ، بما سوى أفعال العباد.
والوجه الثاني في بيان الدلائل المتصلة بهذه الآية ، الدالة على كونها مخصوصة بما سوى أفعال العباد : أنه تعالى لما قال : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) أردفه بقوله : (فَاعْبُدُوهُ) وهذا يدل على أن العبادة ليست فعلا لله تعالى. وبيانه من وجوه :
الأول : إنه تعالى أمرهم بها ، وكيف يعقل أن يأمرهم بما لا يكون فعلا لهم.
الثاني : إنه تعالى جعل كونه خالقا للأشياء ، علة لكونه مستحقا للعبادة. بدليل : أنه تعالى ، لما ذكر كونه خالقا للأشياء ، أتبعه بقوله : (فَاعْبُدُوهُ) فلو كانت عبادتهم له ، داخلة في قوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) لصار الشرط عين الجزاء. وهذا باطل. لأنه يصير في التقدير كأنه يقول :