الأول : لا نسلم أن لفظ «كل» مجاز في الأغلب. فما الدليل عليه؟ الثاني : سلمنا أنه كذلك ، إلا أنه مجاز متعارف مشهور. فالقول بأنه لا يجوز حمل هذا اللفظ على مثل هذا المجاز ، لا يفيد إلا الظن. وهذه المسألة قطعية. والدليل الظني لا يجوز التمسك به في المسألة القطعية. وعلى هذا الحرف تعويل أهل السنة والجماعة ، في الجواب عن استدلال المعتزلة بالعمومات في مسألة الوعيد.
سلمنا : أن لفظ «كل» يفيد العموم. إلا أن هذه الآية عام ، دخله التخصيص ، فوجب أن لا يكون حجة. إنما قلنا : إنه عام. دخله التخصيص ، لأنه تعالى شيء. ويمتنع أن يكون خالقا لنفسه. لا يقال : لا نسلم أن هذه الآية قد دخلها التخصيص. وبيانه من وجهين :
الأول : لا نسلم أن اسم الشيء يقع على الله تعالى. ويدل عليه وجوه :
الأول : قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (١) والكاف معناه : المثل. فصار تقدير الآية : ليس مثل مثل الله شيء. ومثل مثل الشيء : عين ذلك الشيء. فكانت هذه الآية دالة على أن الله تعالى لا يقع عليه اسم الشيء. وقولهم : الكاف زائدة : ضعيف. لأن الأصل : صون كلام الله عن اللغو.
الثاني : لو كان تعالى بالشيء ، لزم دخول التخصيص ، في قوله : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) بالنسبة إلى الله تعالى. إلا أن مثل هذا التخصيص لا يجوز. وذلك لأن التخصيص إنما يجوز في الشيء الحقير ، الذي لا يؤبه به ، كما ضربنا من المثال في قولنا : كل هذا الثور أبيض. وإن كان قد حصلت شعيرات سود في جلده. فأما إذا كان الخارج عن صيغة العموم، هو الأعظم الأشرف ، فإنه لا يجوز. ومعلوم أن اسم الشيء لو وقع على الله ، لكان أشرف الأشياء هو الله. بل كان سائر الأشياء بالنسبة إليه ـ سبحانه ـ كالعدم. وعلى هذا التقدير يكون الخارج عن هذا العموم ، هو الأكمل الأشرف ، والباقي فيه ، هو الأخس الأقل. ومثل هذا يكون كذبا.
__________________
(١) سورة الشورى ، آية : ١١.