الأول : إن التقدير عبارة عن الفكرة والروية والظن والحسبان. وذلك في حق الله تعالى ممتنع. ولما امتنع حمل كونه خالقا لأفعال العباد ، على معنى التقدير ، وجب حمله على معنى الإحداث.
الثاني : هب أن كونه تعالى خالقا لأفعال العباد ، عبارة عن كونه تعالى مقدرا لها إلا أن التقدير عبارة عن إيقاع ذلك الفعل في زمان مخصوص ، ومحل مخصوص ، على وجه مخصوص. وهذا المعنى لا يتأتى إلا ممن كان محدثا للفعل. فلما ثبت بهذا النص : أنه تعالى مقدر لأفعال العباد ، وثبت بالعقل : أن مقدر الأفعال يجب أن يكون موجدا لها ، لزم من مجموع الأمرين كونه تعالى موجدا لأفعال العباد. لأنا نقول :
أما الأول. فجوابه : إن التقدير عبارة عن إيقاع الفعل على قدر مخصوص. وهذا المعنى لا يحصل إلا بالعلم أو الظن. ثم إن كان العلم حاصلا ، كما في حق الله تعالى ، فلا حاجة إلى الفكرة ، وإن لم يكن حاصلا كما في حق العبد. فهناك يحتاج إلى الفكرة لتحصيل ذلك العلم ، أو ذلك الظن.
وأما السؤال الثاني : فجوابه : أن نقول : إنه تعالى مقدر لأفعال العباد. بمعنى أنه تعالى حاكم بوقوعها على تلك المقادير ، كما يقال : فلان يكفر فلانا ، أو يضلله. إذا حكم بكفره وضلاله. سلمنا : أن الخلق هو الإحداث. لكن لم قلتم : إن الآية تتناول أفعال العباد؟ ولا نسلم أن لفظة «كل» تفيد الاستغراق. وبيانه : إن لفظة «كل» كما تستعمل في الاستغراق ، فقد تستعمل أيضا في الأكثر الأغلب. يقال : أكلت كل هذه الرمانة ، وإن كان ربما تساقط منها حبة أو حبتان. ويقال : كل هذا الثور أبيض ، وإن كان ربما حصلت شعور قليلة غير بيض في جلده. ولا ننكر أن أفعال العباد ، بالنسبة إلى جميع مخلوقات الله تعالى ، كالقليل بالنسبة إلى الكثير ، فلم لا يجوز أن يكون المراد من قوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) : ما سوى أفعال العباد؟.
لا يقال : لفظ الكل حقيقة في الاستغراق. لأنا نقول : هذا مدفوع من وجهين :