ولما لخصنا هذه المقدمة ، فلنرجع إلى تقرير الدلائل والبينات :
الحجة الأولى في بيان أن الله تعالى خالق لأعمال العباد : نقول : عمل العبد شيء ، وكل شيء فهو مخلوق لله تعالى. لقوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (١) ينتج : أن عمل العبد مخلوق لله تعالى. واعلم : أنا قبل الخوض في تعديد السؤالات والجوابات نقدم أمرين لا بد منهما.
أما الأول : فهو أن نقول : إن الموجود إما أن يكون واجبا لذاته أو ممكنا لذاته ، والممكن لذاته. لا يترجح عدمه على وجوده ، ووجوده على عدمه ، إلا بترجيح الواجب لذاته. وقد قررنا هذه النكتة في باب الدلائل العقلية. فيثبت : أنه تعالى هو الخالق والموجد والمقدر لجميع الممكنات. ولما كان فعل العبد من جملة الممكنات ، وجب دخوله في هذه القضية. فثبت : أن ظاهر قوله سبحانه : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) قد تأكد بهذا البرهان العقلي القاطع.
وأما الثاني : فهو أنه تعالى ذكر هذه الآية في مواضع من كتابه : إحداها : قوله تعالى : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ. خَلَقُوا كَخَلْقِهِ. فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ. قُلِ : اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٢) وثانيها : قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. فَاعْبُدُوهُ) (٣) وثالثها : قوله : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٤) ورابعها : قوله : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ. فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (٥).
فإن قيل : دليلكم ينتج أن فعل العبد مخلوق لله تعالى. ونحن نقول بموجبه. وذلك لأن الخلق عبارة عن التقدير. وعندنا : أن أفعال العباد واقعة بتقدير الله تعالى ، وإن كانت حاصلة بإيجاد العبد وإحداثه.
لا يقال : هذا مدفوع من وجهين :
__________________
(١) سورة الرعد ، آية : ١٦.
(٢) سورة الرعد ، آية : ١٦.
(٣) سورة الأنعام ، آية : ١٠٢.
(٤) سورة الأنعام ، آية : ١٠١.
(٥) سورة الفرقان ، آية : ٢٥.