الثالث : قوله تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (١) والاستدلال كما تقدم.
الرابع : إن الكذب يسمى خلقا واختلاقا. قال تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) (٢) وقال : (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) (٣) وقال : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (٤) وما ذاك إلا لأن الكاذب يقدر المعدوم موجودا في ذهنه أولا ، ثم يعبر عنه بلفظه.
الخامس : إن أهل اللغة يقولون : خلقت من الأديم خفا ، ومن الشقة قميصا. قال الشاعر :
ولا ييط بأيدي الخالقين ، ولا |
|
أيدي الخوالق إلا جيد الآدم |
وقال :
ولأنت تفري ما خلقت ، وبع |
|
ض القوم ، يخلق ، ثم لا يفري |
وقال الحجاج في خطبته : «أي لا أهم إلا أمضيته ، ولا أخلق إلا فريت» إذا عرفت هذا فنقول : أما الخلق بمعنى الإحداث والإيجاد. فعندنا : أنه ـ سبحانه ـ منفرد به. وأما بمعنى التقدير ، فهو أيضا على ضربين : أحدهما : إحداث الشيء على مقدار مخصوص. والخلق بهذا التفسير يرجع حاصله إلى كيفية مخصوصة في الاحداث. فإذا لم يصح الإحداث إلا من الله تعالى ، فكذلك التقدير بهذا التفسير ، وجب أيضا أن لا يصح إلا من الله تعالى. والثاني : إن حكم الحاكم بأن ذلك الشيء وقع على ذلك المقدار يسمى تقديرا أيضا. يقال : السلطان قدر لفلان من الرزق كذا ، ومن المملكة كذا. والتقدير بهذا التفسير يصح صدوره عن العبد.
__________________
(١) سورة المائدة ، آية : ١١٠.
(٢) الشعراء ١٣٧ وقراءة حفص بضم الخاء واللام وقرأ الكسائي وغيره خلق بفتح الخاء.
(٣) سورة ص ٧.
(٤) سورة العنكبوت ، آية : ١٧.