الكاذب ، وإلا لزم تعجيزه (١) على أن يعرفنا صدق الأنبياء بالاكتساب. ونحن نقول : وجب أن لا يصح من الله تعريفنا صدق الأنبياء بالاكتساب ، وإلا لزم تعجيزه عن خلق المعجزات ، عقيب دعوى الكذاب. ولما كان ممتنعا في نفسه ، لم يكن عدم القدرة عليه عجزا. قلنا : ولم ينفصلون عمن يقول : دلالة المعجز على الصدق ، لما كانت ممتنعة لنفسها ، لم يكن عدم القدرة على خلق هذا الدليل : عجزا؟.
وبالجملة : فلا فرق بين الجانبين.
الرابع : وهو أن قولكم : إنه تعالى لا يصح منه خلق المعجز عقيب دعوى الكاذب : كلام باطل. لأن فلق القمر ، عقيب تكلم (٢) إنسان بكلام كذب ، ممكن في نفسه. والله تعالى قادر على كل الممكنات ، فيمتنع حصول هذا الامتناع ، نظرا إلى القدرة ، ويمتنع أيضا حصوله نظرا إلى الداعي. لأن قبح القبائح ، لا تأثير لها عندكم في هذا الباب.
ولما ثبت أنه لا يمكن القول بحصول هذا الامتناع. لا نظرا إلى القدرة ، ولا نظرا إلى الإرادة والداعي. كان القول بثبوت هذا الامتناع : باطلا قطعا.
الوجه الثاني في بيان أن القول بأن الله تعالى خالق لأعمال العباد ، يمنع من القول بإثبات النبوات : وذلك لأن المقصود من بعثة الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ إلى الخلق : دعوتهم إلى الطاعات ، ومنعهم عن القبائح والمنكرات. لكن دعوة الخلق إلى هذه الأشياء إنما تعقل عند كونهم قادرين على الأفعال. لأن قبح تكليف العاجز ، معلوم في بدائه العقول. فإذا لم يكن العبد مستقلا بالفعل والترك ، كان تكليفه تكليفا للعاجز. فثبت : أن القول بأن العبد غير موجد لأفعال نفسه ، ينافي الإقرار بالنبوة.
الوجه الثالث : إن الكتب الإلهية بأسرها ناطقة بأن العباد قادرون على
__________________
(١) تعجزة (م).
(٢) تكله (م).