يمكنه أن يقول : إنه تعالى لا يجوز منه أن يفعل [ما قد يؤدي (١)] إلى الجهل والتلبيس؟ لا يقال : الدليل على أنه لا يجوز من الله تعالى إظهار المعجز على يد الكذاب : أنه تعالى قادر على أن يعرفنا صدق الأنبياء عليهمالسلام على سبيل الضرورة. فوجب أيضا أن يقدر [على (٢)] أن يعرفنا صدقهم بالدليل ، وإلا لزم المعجز. ثم إنه ثبت أنه لا دليل سوى المعجز ، فلو جوزنا من الله تعالى أن يظهر المعجز على يد الكاذب ، فحينئذ لزم أن لا يقدر الله تعالى على أن يعرفنا صدق الأنبياء على سبيل الاستدلال. وذلك يفضي إلى تعجيز الله تعالى ، وأنه محال.
لأنا نقول : هذا الكلام ضعيف من وجوه :
الأول : لا نسلم أنه تعالى لما قدر على أن يعرفنا صدق الأنبياء على سبيل الاضطرار ، وجب أن يقدر على أن يعرفنا من صدقهم على سبيل الاستقلال. وما الجامع بينهما؟
ثم إن القول (٣) بأن الله تعالى هو الخالق للكفر والفواحش ، يمتنع أن ينفي المعجز وجه دلالته على الصدق. والقادر إنما يكون قادرا على ما يكون في نفسه جائزا صحيحا ، لا على ما يكون في نفسه ممتنعا. وليس كذلك تعريف صدقهم على سبيل الضرورة. لأن ذلك غير ممتنع في نفسه ، فصح كونه قادرا عليه. وظهر الفرق.
الثاني : سلمنا أنه تعالى لما قدر على تعريف صدق الأنبياء اضطرارا ، وجب أن يقدر على تعريف صدقهم بالاكتساب. إلا أن مذهبكم يفضي إلى أن لا يقدر الله تعالى على ذلك ، فكان مذهبكم مفضيا إلى المحال ، فوجب أن يكون محالا. وأنتم ما زدتم على هذا ، إلّا السعي في إبطال مذهبكم.
الثالث : إنكم قلتم : إنه لا يصح من الله تعالى إظهار المعجز على يد
__________________
(١) من (ط ، ل).
(٢) سقط (م).
(٣) إن الفرق القول (م).