الأول : إن العجز إنما يدل على صدق المدعى ، إذا اعتقدنا أنه لا يجوز ظهوره عقيب دعوى الكذاب. فمن اعتقد أنه لا خالق لجميع أنواع الكفر والفواحش إلا الله تعالى. فكيف يمكنه أن يقول : إنه لا يجوز من الله تعالى إظهار المعجز عقيب دعوى الكذاب؟ بل نقول : إنه لا يفسده في إظهار المعجز عقيب دعوى الكذب ، إلا أن ذلك قد يؤدي إلى الجهل والتلبيس.
فمن قال : إنه تعالى هو الخالق لكل كفر ، وكل جهل ابتداء. فكيف
__________________
ـ ووجه الدليل في هذا النص.
١ ـ كلمة «المعزّي» ٢ ـ والأوصاف التي وردت في النص عن «المعزّي» ـ بضم الميم وفتح العين وتشديد الزاي مكسورة ـ أما كلمة «المعزّي» فهي في التراجم الحديثة ، وموضوع بدلها في التراجم القديمة كلمة «باركيت» أو فارقليط في بعض التراجم معناها : النائب عن المسيح الذي سيأتي ليعزي بني إسرائيل في فقدهم الملك والنبوة. فمن هو المعزي؟
أ ـ يقول النصارى إنه الإله الثالث في الثالوث المقدس. ويقولون : إنه قد أتى بعد رفع المسيح إلى السماء بخمسين يوما.
ب ـ ويقول المسلمون : إنه محمد صلىاللهعليهوسلم. ويستدلون على قولهم بما يلي :
١ ـ إن النصارى وعلماء اللغات يقولون إن كلمة «بيركليت» كلمة عبرانية ومعناها : أحمد. وتترجم في اليونانية «بيركليتوس» وحيث أن اللغة العبرانية لم يكن فيها حروف مدّ قبل القرن الخامس الميلادي. فإذن يكون المسيح قد نطق «بيركليت» ولم ينطق «باركليت» ويؤكد هذا أن وجهة نظر النصارى في «المعزّي» وجهة باطلة. لأن التوراة نصت على أن الله واحد وكذلك نص الإنجيل. وعلى ذلك فالقول بالتثليث قول باطل.
٢ ـ إن الأوصاف الواردة في النص تدل على شخص بشري. ومن الأوصاف : أنه يبكت العالم ويخبر بكل شيء ويعلم كل شيء ويمجد المسيح ويرشد إلى جميع الحق.
٣ ـ أن اليهود كانوا ينتظرون «النبي» الذي نصت التوراة على مجيئه في زمان المسيح عليهالسلام. ولم يخبر المسيح أنه هو ، وقد أخبر يوحنا المعمدان ـ الذي هو يحيى عليهالسلام ـ بأنه سيأتي من بعده ، بقوله : «يأتي بعدي من هو أقوى مني ، الذي لست أهلا أن أنحني وأحل سيور حذائه» [متى ٣] والذي يدل على أن اليهود كانوا ينتظرون هذا النبي زمان المسيح : ما جاء في الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا : أن اليهود من أورشليم أرسلوا وفدا من العلماء ليسألوا يحيى : هل أنت النبي؟ هل أنت المسيح؟ هل أنت إيلياء؟ وأجاب يحيى لست المسيح ولست إيلياء ولست النبي. ثم نطق بقوله : «توبوا فقد اقترب ملكوت السموات» ونطق بقوله : «يأتي بعدي من هو أقوى مني ... الخ» ولقد نطق المسيح بمثل قوله فقد بدأ دعوته كما هو مبين في الأصحاح الثالث والرابع من إنجيل متى بقوله لبني إسرائيل : «توبوا فقد اقترب ملكوت السموات» مما يدل على تشابههما في الهدف من الدعوة ، وأنهما معا يبشران بمحمد صلىاللهعليهوسلم.