بتقدير صحة هذه الأصول الثلاثة ، فإنه يجب أن لا تتحرك تلك الأجزاء البتة. لأن الأجزاء المعترضة في الخلاء ، إذا كانت متشابهة ، لم يكن بأن تقتضي طبيعة ذلك الجزء بأن تنتقل إلى حيز ، أولى من أن تنتقل إلى حيز آخر. ولما تساوت الانتقالات وتعارضت وتدافعت ، وجب في كل واحد من تلك الأجزاء ، أن يبقى في حيزه (١) المعين.
وأما المتكلمون : فقد أبطلوا هذا المذهب بناء على أن القول بثبوت حركات لا أول لها محال. ودلائلهم في هذا الباب مشهورة وسنذكرها في القدم والحدوث. فهذا هو الإشارة إلى القواعد الأصلية التي يتفرع (٢) إبطال قول ديمقراطيس عليها.
ثم إن العلماء أبطلوا ذلك القول من وجوه أخرى :
الأول : إن على تقدير الذي ذهب إليه ديمقراطيس ، يكون حدوث الأفلاك (لأجل)(٣) أسباب اتفاقية غريبة نادرة ، وأما حدوث المواليد الثلاثة من المعادن والنبات والحيوان فهو لأجل أشياء طبيعية أصلية جوهرية ، ولو كان الأمر كذلك ، لوجب أن تكون تركيبات الأفلاك والكواكب ، أقل شرفا ، وأدون كمالا ، من تركيبات المواليد الثلاثة ، ولما دلّ الحس على فساد هذا القول ، ثبت فساد ذلك القول.
الثاني : إن مقعر فلك القمر ، ومحدب كرة النار ، أيضا : سطح أملس. وإذا انزلق الأملس على الأملس لم يلزم من حركة إحداهما حركة الآخر ، وإذا ثبت هذا فنقول : إما أن يقال : إن الفلك لأجل حركته يسخن جدا ، فإذا تسخن في ذاته ، صارت سخونته سببا (لسخونة) (٤) جوهر (٥) الجرم الملاصق له ، ولهذا السبب تحصل السخونة في جوهر النار. وإما أن يقال : الفلك إذا استدار لزم
__________________
(١) مع جزء (س).
(٢) تتفرع على قول ديمقراطي ، ثم ... الخ (س).
(٣) من (ز).
(٤) (ز).
(٥) من (س).