المسألة الخامسة
في
بيان أنّه ـ سبحانه ـ يخالف جملة الممكنات ، لذاته
المخصوصة ، لا لصفة زائدة على الذات
اعلم. أن جمهور المتكلمين يقولون : الذوات متساوية في كونها ذوات ، وإنما يمتاز بعضها عن بعض بصفات قائمة بها ولما اعتقدوا ذلك ، قالوا : إنه سبحانه وتعالى ذات ، وإن الجسم أيضا ذات ، وامتياز ذاته عن ذوات الأجسام ، لا بد وأن يكون لأجل صفة اختص بها ذات الله تعالى ، ولأجل تلك الصفة امتازت ذاته عن سائر الذوات. والذي نقول به : أن ذاته سبحانه وتعالى ذات مفردة منزهة عن جميع جهات التركيب [وأن تلك الذات لعينها ولذاتها ، مخالفة لسائر الذوات ، وقبل الخوض في الدليل لا بد من تقديم مقدمة وهي في بيان أن الشيء قد يخالف غيره لعينه ولذاته ، من غير حاجة إلى صفة زائدة] (١) والذي يدل على صحة ما ذكرناه وجوه :
الأول : إنا لو فرضنا كون الذوات متساوية في الذاتية ، وفرضنا أنه إنما يخالف بعضها بعضا لأجل الصفات القائمة بها ، فتلك الصفات إما أن يكون بعضها مخالف للبعض ، أو لا يكون. والثاني باطل لأن تلك الصفات إذا لم تكن متخالفة ، استحال ضرورة أن تكون تلك الذوات متخالفة لأجلها ، وإن كانت تلك الصفات متخالفة فاختلافها إما أن يكون لصفات أخرى ، وحينئذ يلزم منه التسلسل ، وهو محال. وإن كان اختلافها لأنفسها ولأعيانها ، فحينئذ
__________________
(١) من (ز).