الفصل الثامن عشر
في
إثبات العلم بوجود الإله ـ تعالى ـ بناء
على التمسك بحدوث الذوات
أعلم : أن جمهور المتكلمين ، لا يعولون ، إلا على هذا الطريق. وذلك لأنهم يقيمون الدلالة على كون الأجسام محدثة. وحينئذ يقولون : كل جسم محدث ، وكل محدث فله علة وصانع. ينتج : أن كل جسم فله فاعل وصانع.
ثم هذا الدليل إنما يتم إذا قلنا : وذلك الفاعل ، إن كان محدثا ، لزم التسلسل أو الدور ، وإن كان قديما ، فهو واجب الوجود لذاته. وهو المطلوب. فأما الكلام في إثبات حدوث الأجسام ، فسيأتي على سبيل الاستقصاء. وأما الكلام في قولنا : كل محدث فلا بد له من فاعل وصانع. فموضعه هاهنا.
وهو : أن يقال : كل محدث فهو ممكن الوجود لذاته ، وكل ما كان ممكن الوجود لذاته ، فله فاعل وصانع ، ينتج أن كل محدث فله فاعل. وفي هذا الطريق يستدل بحدوث الأجسام على كونها ممكنة الوجود ، ثم يستدل بامكانها هذا ، على افتقارهما الى الفاعل.
ونحن نذكر في هذا الفصل : كيفية تقرير (١) هذا الوجه فنقول : كل محدث فهو ممكن الوجود ، وكل ممكن الوجود فهو مفتقر إلى المؤثر وإنما قلنا : إن
__________________
(١) فموضعه هاهنا. وللناس فيه قولان : أحدهما : أن يقال : كل محدث ... الخ (س).