المسألة السابعة
في
استقصاء الكلام في حقيقة الأزل والأبد
اعلم أن هاتين اللفظتين مختصرتان ، ولأجل اختصار هما لا يقف العقل على تمام المعنى المقصود من لفظ الأزل والأبد. والعلماء ذكروا أمثلة كثيرة كاشفة عن حقيقة هذا المعنى.
فالمثال الأول : قالوا : لو فرضنا أن داخل الفلك الأعظم كان مملوءا من حبات الجاورس (١) ، وفرضنا أن في كل ألف ألف سنة تفنى حبة واحدة من تلك الحبات ، ثم فرضنا اجتماع هذه الحبات بأسرها على كثرتها ، وامتناع وقوف العقل على جزء من أجزائها ، ثم قابلنا ذلك المجموع بالمعنى المفهوم من الأزل ، كان ذلك المجموع بالنسبة إلى الأزل ، كالعدل بالنسبة إلى الوجود. وذلك لأن ذلك المجموع وإن بلغ في الكثرة إلى الحد الذي يعجز العقل عن الإحاطة بالجزء القليل منه ، إلا أن العلم البديهي حاصل بأنه إنما يتولد من ضم المقادير المتناهية بعضها إلى بعض : مرات متناهية ، والمجموع الحاصل من ضم المتناهي إلى المتناهي يكون متناهيا.
فهذا المجموع له أول. واللانهاية واللاأولية غير متناهية. والمتناهي بالنسبة إلى [غير] (٢) المتناهي ، يكون كالعدم في مقابلة الوجود. وهذا المثال
__________________
(١) من (ز).
(٢) من (ز).