الفصل الثاني
في
انه هل للعقول البشرية سبيل إلى تحصيل
الجزم واليقين في هذا العلم
أم يكتفى في بعض مباحثه ومطالبه بالأخذ بالأولى والأخلق؟
رأيت في بعض الكتب : أنه نقل عن عظماء الحكمة وأساطين الفلسفة أنهم قالوا : الغاية القصوى في هذا الباب : الأخذ (بالأولى والأخلق) (١) والتمسك بالجانب الأفضل الأكمل وأما الجزم المانع من النقيض فقد لا يمكن تحصيله في بعض المباحث.
وللقائلين (٢) بهذا القول أن يحتجوا بوجوه :
الحجة الأولى : إن أظهر المعلومات لجميع العقلاء : هو علم الإنسان بذاته (٣) المخصوصة ومعرفته بنفسه المخصوصة ، ثم هذا العلم مع أنه أظهر العلوم وأجلى المعارف قد بلغ في الصعوبة والخفاء إلى حيث عجزت العقول عن الوصول إليه ، وإذا كان الحال في أظهر المعلومات كذلك ، فالحال في أبعد الأشياء عن مناسبة الأمور المعلومة للخلق كيف يكون؟ وهذه الحجة إنما تتم بتقرير مقدمات.
المقدمة الأولى : إن أظهر المعلومات لكل أحد : ذاته المخصوصة. والذي يدل على أن الأمر كذلك : أن كل من علم شيئا فلا بد وأن يعلم كونه عالما
__________________
(١) من (س).
(٢) القائل (س).
(٣) علمه بذاته (س).