يقول : إن ذوات الأجسام قديمة ، أما التركيبات فهي محدثة.
والقائلون بهذا القول أيضا. فريقان : منهم من يقول : إن تلك الأجزاء كانت في الأزل متحركة بالطبع في الخلاء الذي لا نهاية له ، ومنهم من يقول : إنها كانت ساكنة واقفة، أما القائلون بكونها متحركة فهم أصحاب (١) ديمقراطيس ، زعموا : أن عنصر العالم الجسماني له أجزاء لا تتجزأ بحسب الوقوع ومتجزئة بحسب الوهم ، وزعموا : أنها على صور الكرات ، والكرة إذا وقعت على الخلاء المتساوي (المتشابه) (٢) فإنه يمتنع بقاؤها ساكنة ، لأنه لما كانت جميع الأحياز بالنسبة (إليه) (٣) على التساوي كان إبقاؤه على الوضع الواحد رجحانا لأحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح ، وإذا ثبت هذا ظهر أن تلك الأجزاء يجب كونها متحركة لذواتها حركات مضطربة غير مناسبة ، ثم اتفق لتلك الأجزاء (المضطربة) (٤) أن تصادمت على وجه خاص فيما بعد ، وتدافعت في حركاتها ، فالتوى البعض على البعض ، واعتمد البعض على البعض فتولد من تصادمها وتدافعها ، والتواء بعضها على البعض هذه الأجرام الفلكية. وهذا هو السبب في تولد الأجرام الفلكية. فما لم تقيموا الدلالة على بطلان هذا الاحتمال ، لا يحصل مقصودكم من إسناد تخليق هذا العالم إلى القادر الحكيم.
ولا يقال : ولم حصل كل واحد من تلك الأجزاء الكروية في حيزه (٥) المعين؟ لأنا كنا قد ذكرنا : أن كل واحد منها كان متحركا من الأزل إلى الأبد ، فحصول كل حالة لاحقة ، إنما كان لأجل أن الحالة السابقة ، أعدت المادة لحصول تلك الحالة اللاحقة. فهذا تقرير قولهم في كيفية تولد الأفلاك.
وأما كيفية تولد العناصر ، فقالوا : إنه لمّا تولد جرم الفلك بالطريق
__________________
(١) شيعة (س).
(٢) من (ز).
(٣) من (ز).
(٤) من (ز).
(٥) جزء معين (س).