يقتضي حدوث حالة وحصول أمر ، والنفي المحض ، والسلب الصرف ليس كذلك ، وأما أن كونه باقيا يمنع من كونه أثرا لمؤثر ، فلما بينا فيما تقدم [أنه يمتنع القول ، بأن الباقي حال بقائه يصير أثرا لمؤثر وفعلا لفاعل ، فثبت (١)] أنه لو كان الإمكان محوجا إلى المؤثر ، لزم افتقار المعدوم حال بقائه إلى المؤثر ، وثبت أن هذا محال ، فيلزم أن لا يكون الإمكان علة للحاجة إلى المؤثر.
الشبهة التاسعة : لو افتقر الممكن إلى المرجح لما كان الإنسان مختارا في أفعاله ، وهذا باطل ، فذاك باطل ، بيان الشرطية : أن الإنسان حال كونه قادرا [على الفعل ، إما أن يكون قادرا] (٢) على الترك ، أو لا يكون ، فإن لم يقدر على الترك في حال الفعل ، فكذلك لا يقدر على الفعل (٣) ، وحينئذ لا يكون البتة متمكنا من الفعل ومن الترك في شيء من الأحوال ، فوجب أن لا يكون فاعلا مختارا البتة ، وأما إن كان قادرا على الترك ، فترجح الفعل على الترك ، إما أن يتوقف على مرجح أو لا يتوقف ، فإن توقف على مرجح فذلك المرجح إما أن يكون منه أو من غيره ، فإن كان منه عاد التقسيم الأول فيه ، وإن كان من غيره ، فعند حصول ذلك المرجح من ذلك الغير ، إما أن يكون ذلك الفعل واجبا أو ممكنا أو ممتنعا ، فإن كان واجبا لم يكن البتة متمكنا من الفعل والترك ، لأنه قبل حصول ذلك المرجح ، كان صدور الفعل عنه واجبا ، وعلى هذا التقدير لا يكون العبد متمكنا في شيء من الأحوال ، وإذا كان عند حصول ذلك المرجح ، يصير صدور الفعل عنه ممكنا لا واجبا. فذلك باطل لوجوه ستة قطعية يقينية سنذكرها في مسألة القضاء والقدر. فثبت بما ذكرناه : أنه لو توقف رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر على انضمام مرجح إليه ، لامتنع كون الحيوان مختارا في فعله.
وإنما قلنا : إنه لا بدّ من الاعتراف بحصول الفاعل المختار ، وذلك لأنا نعلم تفرقة بديهية كون العبد متحركا باختياره ، تارة يمنة ، وتارة يسرة ، وبين
__________________
(١) من (ز).
(٢) من (س).
(٣) فكذلك لا يقدر حال الترك على الفعل (س).