من عاش لم تجن عليه نوب |
|
شابت نواحي رأسه أو هرما |
إن قيل : كيف تكون ظالمة بتشبيه الشيب بالثغام وهو أشبه شئ به؟
قلنا : لم تظلم لأجل التشبيه الذي هو صحيح واقع ، ولكن لأنها ذمت بذلك الشيب وهجنته وأزرت عليه ، ولهذا عورضت بأن لون ما تهواه من الشباب يشبه الفحم الذي الثغام على كل حال أفضل منه.
فأما الذي أوله " صبغ الدجى أبعد عن فاحشة " فعزيز المعنى ، لأن النهار نفسه وما يشبه بالنهار من الشيب أبعد من الفواحش والقبائح ، أما النهار فإنه يظهرها ولا يسترها والشيب يعظ ويزجر عن ركوبها ، وصاحبه في الأكثر عند الناس منزه عنها. وصبغ الدجى الذي هو الليل نفسه وما يشبه به من الشباب أدنى القبائح ، لأن الليل يستر القبيح ويخفيه والشباب يدعو إلى اقتراف القبيح ويعلق على صاحبه منه ما لا يعلق على ذي الشبيبة.
ونظير " صبغ الدجى أبعد عن فاحشة " قولي :
لا تنكريه فهو أبعد لبسة |
|
عن قذت قاذفة وقرف قروف |
ونظير قولي " ولم يزل صبغ الدجى متهما " قولي :
ومعيري شيب العذار وما درى |
|
أن الشباب مطية للفاسق |
* * *
ولي من قصيدة أولها " ليس للقليب في السلو نصيب " :
ولقد قلت للمليحة والرأس |
|
بصبغ المشيب ظلما خضيب |
لا تريه مجانبا للتصابي |
|
ليس بدعا صبابة ومشيب |
* * *