ومعنى البيت الذي أوله " وكانت تغير الأغبياء نضارتي " أي إنني كنت لحسن شبابي أغير الغبي الذي لا فطنة عنده ولا تيقظ منه ، فلما شبت وأخلق رونقي وغاضت نضارتي صار ينادمني الغيور ، لأمنه مني وثقته بأنه لا طماح من النساء إلي ولا تعريج منهن علي. ولم أرض بالغيور حتى قلت " المعارم " من العرام ، والعرامة التي هي النزق وسرعة البطش.
والمراد بالبيت الذي أوله " فيا صبغة حملتها غير راغب " أنني حملت صبغة الشيب غير راغب فيها ولا طالب لها وسلبت صبغة الشباب وبدلت منها من غير ملل مني لها. وهذه غاية في التألم والشكوى ، وأي شئ أثقل من إنزال ما لا يطلب ولا فيه مرغب وسلب ما هو موافق غير مملول ولا مكروه.
ومعنى البيت الذي أوله " أقم لا ترم عني وإن لم تكن هوى " وإن كنت غير موافق ولا محبوب مكروه الفراق مرغوب في مطاولتك ومصاحبتك ، وهذا على ظاهر الأمر كأنه عجيب ، والسبب فيه أن الشيب وإن كان مكروه الحلول مشكو النزول فإن فراقه لا يكون إلا بالموت والفناء ، فمطاولته على هذا محبوبة مأمولة وفراقه مكروه مذموم. ولا مناقضة في ذلك ، لأن المكروه غير المحبوب والممدوح غير المذموم ، وأما المكروه والمذموم فهو تجدد الشيب وحدوثه وطرده الشباب وتبعيده وأما المحبوب الممدوح فهو مطاولة الشيب واستمرار مصاحبته ودوام أيامه ، فهو وإن لم يكن نزوله هوى فمقامه ودوامه هوى.
فإن قيل : ما في حدوث الشيب وتجدده من الضرر إلا ما في استمراره ومطاولته ، بل المطاولة أشد ضررا ، لأن المذموم من الشيب أنه يضعف القوة ويوهي المنة ويؤذن بتصرم العمر وهذا يتأكد باستمراره ومطاولته ، وإن النساء ينفرن منه ويصددن عنه وهذا هو في حدوثه وبقائه معا.
قلنا : لا شك في أن ضرر ابتداء الشيب هو قائم في استمراره ودوامه ، إلا أنا