بسم الله الرّحمن
الرّحيم
الحمد لله على جزيل عطائه وجميل آلائه ،
وله الشكر على ما منح من هداية ونفح من كفاية ، وصلى الله على سيد البشر محمد وآله
الغرر وكرم وسلم.
سألت وفقك الله أن أجمع لك من مختار
الشعر في الشيب ما تناله القدرة ، وتنتهي إليه الخبرة ، إذ كان الناس قد جمعوا في
ذلك الكثير من غث وسمين وكريم وهجين ، فأنا أجيب مسألتك وأنجح طلبتك.
واعلم أن الإغراق في وصف الشيب والإكثار
في معانيه واستيفاء القول فيه لا يكاد يوجد في الشعر القديم ، وربما ورد لهم فيه
الفقرة فكانت مما لا نظير له ، وانما أطنب في أوصافه واستخراج دفائنه والولوج الى
شعابه الشعراء المحدثون ، وان كان الإحسان المطبق للمفصل قليلا والجيد من كل شيء
قدرا معدودا ، وللفحلين المبرزين الطائيين أبي تمام وأبى عبادة البحتري في هذا
المعنى ما يغبر في الوجوه سبقا ، لا سيما البحتري فإنه مولع بالقول في الشيب لهج
به معيد مبدئ لأوصافه ، ولا تكاد أكثر قصائده تخلو من إلمام به وتعرض له، فقد زاد
فيه على كل متقدم لزمانه اكثارا وتجويدا وتحقيقا وتدقيقا ، فأنى أخرجت له في الشيب
مائة وأربعين