مع أنه أعرف بالمصالح والمفاسد وأوفر شفقة على الأمة ، لم يستخلف أحدا ، بل عزل عمر بعد ما ولاه أمر الصدقات. فاستخلافه وتوليته جميع أمور المسلمين مخالفة للرسول ، وترك لما وجب من اتباعه.
والجواب أنا لا نسلم أنه لم يستخلف أحدا بل استخلف إجماعا. أما عندنا فأبا بكر ، وأما عندكم فعليا ، ولا نسلم أنه عزل عمر ، بل انقضى توليته بانقضاء شغله كما إذا وليت أحدا عملا فأتمه ، فلم يبق عاملا. فإنه ليس من العزل في شيء. ولا نسلم أن مجرد فعل ما لم يفعله النبي (صلىاللهعليهوسلم) مخالفة له وترك لاتباعه. وإنما يكون ذلك إذا فعل ما نهى عنه أو ترك ما أمر به ولا نسلم أن هذا قادح في استحقاق الإمامة.
ومنها أنه لم يكن عارفا بالأحكام حتى قطع يسار سارق من الكوع ، لا يمينه. وقال لجدة سألته عن إرثها : لا أجد لك شيئا في كتاب الله ، ولا سنة نبيه. فأخبره المغيرة ، ومحمد بن سلمة أن الرسول (صلىاللهعليهوسلم) أعطاها السدس ، وقال : اعطوا الجدات السدس (١). ولم يعرف الكلالة وهي من لا والد له ولا ولد. وكل وارث ليس بوالد ولا ولد.
والجواب بعد التسليم أن هذا لا يقدح في الاجتهاد ، فكم مثله للمجتهدين.
ومنها أنه شك عند موته في استحقاقه الإمامة حيث قال : وددت أني سألت رسول الله عن هذا الأمر فيمن هو؟ وكنا لا ننازعه أهله.
والجواب أن هذا على تقدير صحته لا يدل على الشك ، بل على عدم النص ، وإن إمامته كانت بالبيعة والاختيار ، وأنه في طلب الحق بحيث يحاول أن لا يكتفي بذلك ، بل يريد اتباع النص خاصة.
ومنها أن عمر مع كونه وليه وناصره قال : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله تعالى
__________________
(١) الحديث رواه الإمام الترمذي في كتاب الفرائض ١٠ باب ما جاء في ميراث الجدة ٢١٠٠ ـ عن قبيصة بن ذؤيب قال وذكره ورواه ابن ماجه في كتاب الفرائض ٤ باب ميراث الجدة ٢٧٢٤ بسنده عن قبيصة بن ذؤيب ، وحدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن ابن ذويب قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه تسأله ميراثها فقال : وذكره.