ايمان المقلد
قال : المبحث الخامس ـ
(الجمهور على صحة إيمان المقلد ، لأن التصديق لا يتوقف على ثبات الاعتقاد ، بل جزمه ، وعدم النفع قياسا على إيمان اليأس بجامع عدم مشقة النظر والاستدلال التي بها الثواب فاسد ، أو على تقدير ثبوت مثله بالقياس. فالعلة في الأصل كونه إيمان دفع عذاب ، لا إيمان حقيقة ، وأنه لم يبق حينئذ للعبد قدرة التصرف في نفسه والاستمتاع بها)
ذهب كثير من العلماء وجميع الفقهاء إلى صحة إيمان المقلد ، وترتب الأحكام عليه في الدنيا والآخرة ، ومنعه الشيخ أبو الحسن (١) والمعتزلة ، وكثير من المتكلمين. حجة القائلين بالصحة أن حقيقة الإيمان هو التصديق ، وقد وجدت من غير اقتران بموجب من موجبات الكفر.
فإن قيل : لا يتصور التصديق بدون العلم لأنه إما ذاتي للتصديق أو شرط له ، على ما سبق. ولا علم للمقلد ، لأنه اعتقاد جازم مطابق يستند إلى سبب من ضرورة أو استدلال.
قلنا : المعتبر في التصديق هو اليقين. أعني الاعتقاد الجازم المطابق ، بل ربما يكتفي بالمطابقة ويجعل الظن الغالب الذي لا يخطر معه النقيض بالبال في حكم اليقين ، وقد يقال: إن التصديق قد يكون بدون العلم والمعرفة ، وبالعكس. فإنا نؤمن بالأنبياء والملائكة ولا نعرفهم بأعيانهم ، ونؤمن بجميع أحوال القيامة من
__________________
(١) هو علي بن إسماعيل بن إسحاق ، أبو الحسن من نسل الصحابي أبي موسى الأشعري مؤسس مذهب الأشاعرة كان من الأئمة المتكلمين المجتهدين ولد في البصرة عام ٢٦٠ ه وتوفي ببغداد عام ٣٢٤ ه راجع طبقات الشافعية ٢ : ٢٤٥ والمقريزي ٢ : ٣٥٩ وابن خلكان ١ : ٣٢٦.