فإن قيل : ثواب أهل الجنة يشوبه شوق كل ذي مرتبة إلى ما فوقها ، ومشقة وجوب شكر المنعم وترك القبائح. وعقاب أهل النار يشوبه ثواب ترك القبائح فيها.
أجيب بأن كل ذي مرتبة في الجنة يكون فرحا بما عنده ، لا يطلب الأعلى ، ويعد الشكر لذة وسرورا لا يحصى ، ويكون في شغل شاغل عن القبائح وذكرها ، والتألم بتركها. وأهل النار لا يثابون لكونهم مضطرين إلى ترك القبائح.
ومنها اختلافهم في وقت استحقاق الثواب والعقاب. فعند البصرية حالة الطاعة والمعصية ، وعند البغدادية في الآخرة ، وقيل : في حال الاخترام ، وقيل : وقت الفعل بشرط الموافاة ، وهو أن لا تحبط الطاعة والمعصية الى الموت. وليس لأحدهم تمسك يعول عليه سوى ما قيل بأن المدح والذم يثبتان حال الفعل. فكذا الثواب والعقاب لكونهما من موجبات الفعل مثلهما. وإنما حسن تأخير تمام الثواب إلى دار الآخرة لمانع ، وهو لزوم الجمع بين المتنافيين. فإن من شرط الثواب الخلوص عن شوب المشاق ، ومن لوازم التكليف الشوب بها. وتمسك الآخرون بالنصوص المقتضية لتأخير الأجزية ، وبلزوم الجمع بين المتنافيين كما ذكر ، ولا خفاء في أن ذلك لا ينافي ثبوت الاستحقاق في دار التكليف. والظاهر أن مراد الأولين ثبوت أصل الاستحقاق ، ومراد الآخرين وجوب الأداء ، وقال بعضهم : الحق أن التكليف لا يجامع كل الجزاء للزوم المحال. بخلاف البعض كتعظيم المؤمن ، ونصرته على الأعداء ، وكالحدود فإنه بجامع التكليف ، فلم يجب تأخيره.
(قال : المبحث العاشر ـ
المبحث العاشر ـ لا خلاف في خلود من يدخل الجنة ولا في خلود الكافر عنادا أو اعتقادا في النار ، وإن بالغ في الاجتهاد لدخوله في العمومات ، ولا عبرة بخلاف الجاحظ والعنبري ، وكذا الكافر حكما كأطفال المشركين ، خلافا للمعتزلة ، حيث جعلوا تعذيبهم ظلما ، فهم خدم أهل الجنة.
وقيل : من علم الله منه الإيمان والطاعة ، على تقدير البلوغ ففي الجنة. ومن علم منه الكفر والمعصية ففي النار. وأما من ارتكب الكبيرة من المؤمنين ، ومات بلا