والجواب أنه لو سلم صحة ما ذكر ، فليس على الحاكم أن يحكم بشهادة رجل وامرأة وإن فرض عصمة المدعي ، والشاهد ، وله الحكم بما علمه يقينا وإن لم يشهد به شاهد ، ولعمري أن قصة فدك على ما يرويه الروافض من بين الشواهد على انهماكهم في الضلالة وافترائهم على الصحابة ، وكونهم الغاية في الغواية ، والنهاية في الوقاحة ، حيث ظنوا بمثل أبي بكر وعمر أنهما أخذا حق سلالة النبوة ظلما لينتفع به الآخرون لا هما نفسهما ، ولا من يتصل بهما ، ويمثل علي (رضي الله تعالى عنه) أنه مع علمه بحقيقة الحال لم يدفع تلك الظلامة أيام خلافته ، ولسائر الأصحاب أنهم سكتوا على ذلك من غير تعرض ولا اعتراض. والمذكور في كتب التواريخ ، أن فدك كانت على ما قرره أبو بكر (رضي الله تعالى عنه) إلى زمن معاوية ، ثم أقطعها مروان بن الحكم (١) ووهبها مروان من ابنيه عبد العزيز وعبد الملك ، ثم لما ولي الوليد بن عبد الملك وهب عمر بن عبد العزيز نصيبه للوليد ، وكذا سليمان بن عبد الملك ، فصارت كلها للوليد ، ثم ردها عمر بن عبد العزيز أيام خلافته إلى ما كانت عليه ، ثم لما كانت سنة عشرين ومائتين كتب المأمون إلى عامله على المدينة قثم بن جعفر أن يرد فدك إلى أولاد فاطمة (رضي الله تعالى عنها) فدفعها إلى محمد بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمد بن عبد الله بن زيد بن الحسين بن زيد ليقوما بها لأهلهما ، وعد ذلك من تشيع المأمون ، فلما استخلف المتوكل (٢) ردها الى ما كانت عليه. ومنها أنه خالف رسول الله (صلىاللهعليهوسلم) في الاستخلاف ، حيث جعل عمر خليفة له والرسول (عليهالسلام) ،
__________________
ـ ونشأ بالمدينة عام ٦١ ه استوزره سليمان بن عبد الملك بالشام ، وولي الخلافة بعهد من سليمان سنة ٩٩ ه توفي عام ١٠١ ه راجع فوات الوفيات ٢ : ١٠٥ وتهذيب التهذيب ٧ : ٤٧٥ وحلية الأولياء ٥ : ٢٥٣ ـ ٣٥٣.
(١) هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو عبد الملك خليفة أموي هو أول ملك من بني الحكم بن أبي العاص وإليه ينسب بنو مروان ودولتهم المروانية ولد بمكة ٢ ه ونشأ بالطائف ، وسكن المدينة قتل عام ٦٥ ه أول من ضرب الدنانير وكتب عليها «قل هو الله أحد».
(٢) هو جعفر «المتوكل على الله» بن محمد المعتصم بالله بن هارون الرشيد أبو الفضل : خليفة عباسي ولد ببغداد عام ٢٠٦ ه وبويع بعد وفاة أخيه الواثق سنة ٢٣٢ ه وكان جواد محبا للعمران من آثاره المتوكلية ببغداد أنفق عليها أموالا كثيرة وهو الذي أمر بترك الجدل في القرآن. راجع تاريخ الخميس ٢ : ٣٣٧ واليعقوبي ٣ : ٢٠٨