والحجّ ثمّ لم ترضَ بهذا حتىٰ رفعتَ بضَبْعَي ابن عمّك ففضّلته علينا ، وقلت : من كنتُ مولاه فعليّ مولاه ... وقد سبق حديثه ( ص ٢٣٩ ـ ٢٤٧ ) ، فهل المعنى الملازم للتفضيل الذي استعظمه هذا الكافر الحاسد ، وطَفِق يشكّ أنَّه من الله أم أنَّه مُحاباة من الرسول ، يمكن أن يراد به أحد ذينك المعنيين أو غيرهما ؟
أحسب أنَّ ضميرك الحرَّ لا يستبيح لك ذلك ، ويقول لك بكلِّ صراحة : إنَّه هو تلك الولاية المطلقة التي لم يؤمن بها طاحنة قريش في رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا بعد قهر من آيات باهرة ، وبراهين دامغة ، وحروب طاحنة ، حتىٰ جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ، فكانت هي في أمير المؤمنين أثقل عليهم وأعظم ، وقد جاهر بما أضمره غيره الحارث بن النعمان ، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر.
ومن أولئك : النفرُ الذين وافوا أمير المؤمنين عليهالسلام في رحبة الكوفة قائلين : السلام عليك يا مولانا. فاستوضح الإمام عليهالسلام الحالة لإيقاف السامعين على المعنى الصحيح ، وقال : « كيف أكون مولاكم وأنتم رهطٌ من العرب ؟ »
فأجابوه : إنَّا سمعنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول يوم غدير خُمِّ : « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه » (١).
عرف القارئ الكريم أنَّ المولويّة المستعظمة عند العرب ـ الذين لم يكونوا يتنازلون بالخضوع لكلِّ أحد ـ ليست هي المحبّة والنصرة ولا شيئاً من معاني الكلمة ، وإنَّما هي الرئاسة الكبرى التي كانوا يستصعبون حمل نيرها إلّا بموجبٍ يُخضعهم لها ، وهي التي استوضحها أمير المؤمنين عليهالسلام للملأ باستفهام ، فكان من جواب القوم : أنَّهم فهموها من نصِّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وهذا المعنىٰ غير خافٍ حتىٰ على المخدّرات في الحجال ، فقد أسلفنا ( ص ٢٠٨ )
___________________________________
(١) راجع ما أسلفناه من أسانيد هذا الحديث ومتنه ( ص ١٨٧ ـ ١٩١ ). ( المؤلف )