كَفَّارًا ) (١) ، قطع جرثومة فساده بما تمنّاه من العذاب الواقع.
وكم فرق بين أولئك الذين عوملوا بالرفق رجاء هدايتهم ، وتشكيل أمّةٍ مرحومةٍ منهم ومن أعقابهم ، مع العلم بأنّ الخارج منهم عن هاتين الغايتين سوف يُقضىٰ عليه في حروب دامية ، أو يأتي عليه الخزي المبير ، فلا يسعه بثُّ ضلالةٍ ، أو إقامة عيثٍ ، وبين هذا الذي أخذته الشدّة ، مع العلم بأنّ حياته مثار فتن ، ومنزع إلحاد ، وما عساه يتوفّق لهدايته ، أو يُستفاد بعقبه.
ووجود الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم رحمةٌ تَدْرأ العذاب عن الأُمّة ، إلّا أنَّ تمام الرحمة أن يكون فيها مكتسح للعراقيل أمام السير في لاحب الطريق المَهْيع ، ولذلك قمَّ سبحانه ذلك الجَذْم (٢) الخبيث ، للخلاف عمّا أبرمه النبيُّ الأعظم في أمر الخلافة ، كما أنَّه في حروبه ومغازيه كان يجتاح أصول الغيّ بسيفه الصارم ، وكان يدعو علىٰ من شاهد عتوّه ، ويئس من إيمانه ، فتُجاب دعوته :
أخرج مسلم في صحيحه (٣) ( ٢ / ٤٦٨ ) بالإسناد عن ابن مسعود : أنَّ قريشاً لمّا استعصت علىٰ رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبطئوا عن الإسلام ، قال : « أللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف » ، فأصابتهم سنةٌ فحصّت كلّ شيء ، حتىٰ أكلوا الجِيَف والمَيْتة ، حتىٰ إنَّ أحدهم كان يرىٰ ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع ، فذلك قوله : ( يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ) (٤) ، ورواه البخاري (٥) ( ٢ / ١٢٥ ).
وفي تفسير الرازي (٦) ( ٧ / ٤٦٧ ) : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم دعا علىٰ قومه بمكّة لمّا كذّبوه ، فقال :
___________________________________
(١) نوح : ٢٧.
(٢) جذْم الشيء : أصله.
(٣) صحيح مسلم : ٥ / ٣٤٢ ح ٣٩ كتاب صفة القيامة والجنّة والنار.
(٤) الدخان : ١٠.
(٥) صحيح البخاري : ٤ / ١٧٣٠ ح ٤٤١٦.
(٦) التفسير الكبير : ٢٧ / ٢٤٢.