الآية الواحدة في البين علىٰ وجه تكون أجنبيّة عمّا قبلها وما بعدها. انتهىٰ .
وأنت ترىٰ أنَّ ترجيحه لهذا الوجه مجرّد استنباط منه بملاءمة سياق الآيات من غير استناد إلىٰ أيّة رواية ، ونحن إذا علمنا أنَّ ترتيب الآيات في الذكر غير ترتيبها في النزول نوعاً ، فلا يهمّنا مراعاة السياق تجاه النقل الصحيح ، وتزيد إخباتاً إلىٰ ذلك بملاحظة ترتيب نزول السور المخالف لترتيبها في القرآن ، والآيات المكية في السّور المدنيّة وبالعكس ، قال السيوطي في الإتقان (١) ( ١ / ٢٤ ) :
فصلٌ : الإجماع والنصوص المترادفة علىٰ أنَّ ترتيب الآيات توقيفيّ لا شبهة في ذلك ، أمّا الإجماع فنقله غير واحد منهم : الزركشي في البرهان (٢) ، وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته ، وعبارته : ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلىاللهعليهوسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين.
ثمّ ذكر نصوصاً علىٰ أنَّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يلقِّن أصحابه ويعلِّمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبرئيل إيّاه علىٰ ذلك ، وإعلامه عند نزول كلّ آية : أنَّ هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا. انتهىٰ.
علىٰ أنَّ طبع الحال يستدعي أن يكون تهيّبه صلىاللهعليهوآلهوسلم من اليهود والنصارىٰ في أُولَيات البعثة ، وعلىٰ فرض التنازل بعد الهجرة بيسير ، لا في أُخريات أيّامه التي كان يهدِّد فيها دول العالم ، وتهابه الأُمم ، وقد فتح خيبر ، واستأصل شأفة بني قريضة والنضير ، وعنت له الوجوه ، وخضعت له الرقاب طوعاً وكرهاً ، وفيها كانت حجّة الوداع التي نزلت فيها الآية ، كما عرفت ذلك من الأحاديث السابقة ، ويعلمنا القرطبي في تفسيره (٣) ( ٦ / ٣٠ ) بالإجماع علىٰ أنَّ سورة المائدة مدنيّة ثمّ نقل عن النقّاش نزولها
___________________________________
(١) الإتقان في علوم القرآن : ١ / ١٧٢.
(٢) تفسير البرهان : ١ / ٦٤.
(٣) الجامع لأحكام القرآن : ٦ / ٢٢.