على هذا (١) ولو لم نقل بتواتر القراءات عن النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ
__________________
(١). أي على اختلاف القراءات ، حيث تمسك النوري في الدليل العاشر من كتابه بمسألة اختلاف القراءات ، فقال : «لا إشكال ولا خلاف بين أهل الإسلام في تطرق اختلافات كثيرة وتغييرات غير محصورة في كلمات القرآن وحروفه وهيئاته فاستقرّ آراء المخالفين إلى اختيار ما اختاره سبعة منهم أو عشرة. ثمّ إنّه لا بد من انتهاء ما اختاروه وغيره مما يحتمل صحّته إلى النبي (ص) كما زعموه أيضا وادعوه في المقام ، فيكون القرآن في نفسه وعند نزوله مبنيا على الاختلاف ، وحيث إنّ القرآن نزل في جميع مراتبه بنحو واحد لا تغيير فيه ولا اختلاف ، كان جميع ما ذكروه غير الوجه الواحد المجهول المردد فيه غير مبتنية إلى رسول الله (ص) وقراءة القرآن به قراءة بغير ما أنزل الله. وظاهر المصحف الموجود الدائر غير خالص عن بعضه أو أكثره فهو حينئذ غير مطابق لما انزل عليه (ص) إعجازا وهو المقصود. وهذا الدليل وإن كان غير واف لإثبات نقصان السورة والآية والكلمات ، لعدم شمول تلك الاختلافات لها إلّا أنّه يمكن تتميمه بعدم القول بالفصل».
هذا خلاصة كلامه وقد عرفت ـ فيما تقدم ـ أنّ القرآن شيء والقراءات شيء آخر. وأمّا ما قاله من جهالة الواحد المنزل فهو أيضا مردود ، لأنّ قوله ـ عليهالسلام ـ : «اقرأ كما يقرأ الناس» ناظر إلى أشهر القراءات والأشهر والمتداول بين الناس منذ الصدر الأوّل حتى عصرنا ما ينطبق على قراءة عاصم برواية حفص ولذلك اختاره سيّدنا المؤلف ـ قدسسره ـ وهي بنفسها قراءة أبيّ بن كعب (سيّد القرّاء) التي جمع عثمان المصاحف عليها حيث كان المملي أبيّا ؛ فقد جاء في كنز العمال (ج ٢ ، ص ٥٨٧) عن عطاء : «أنّ عثمان بن عفان لمّا نسخ القرآن في المصاحف ، أرسل إلى ابيّ بن كعب فكان يملي على زيد بن ثابت ، وزيد يكتب ، ومعه سعيد بن العاص يعربه ، فهذا المصحف على قراءة ابيّ وزيد».
فما جاء في الكافي (ج ٢ ، ص ٦٣٤) عن أبي عبد الله (ع) أنّه قال : «... أمّا نحن فنقرأ على قراءة أبيّ» لا ينافي ما ذكرناه من اشتهار القراءة التي تنطبق مع قراءة عاصم برواية حفص وأنّها المراد من قوله (ع) : «اقرأ كما يقرأ الناس» لأنّ قوله (ع) : «أمّا نحن فنقرأ على قراءة أبيّ» اشارة إلى توحيد المصاحف والقراءات على عهد عثمان حيث كان المملي ابيّا ، فقوله (ع) الأخير مؤيد أيضا لما ذكرناه.