الشمس يدور في سنة
، وفلك زحل في ثلاثين سنة ، فتقع أدوار الشمس في أدوار زحل في ثلث العشر ، وتقع
أدوار الشمس في أدوار المشتري في نصف السدس ، فإنه يقع مدة اثنتي عشرة سنة ، فإذا
كانت دورات زحل لا نهاية لها ولا عداد ، وكذلك الشمس وكذلك المشتري فذلك يبطل أن
تقع الشمس لأحدهما في التكسير على ما وصفنا ، بل فلك الكواكب الذي يدور عندهم في
ستة وثلاثين ألف سنة مرة. ثم نقول أعداد هذه الدورات لا تنفك أن تكون شفعا أو وترا
أو شفعا ووترا أو لا شفع ولا وتر وبطل أن يقال لا شفع ولا وتر ، فإن العدد إما شفع
وإما وتر ، وقد صححتم هذه المقدمة في المنطق ، وكذلك إن قلتم شفعا ووترا ، فإن
قلتم شفعا فما لا نهاية له لا يعوزه واحد يصير العدد وترا ومحال أن يعوزه وإن قيل
وترا ثبتت النهاية.
فإن قيل : ما لا
يتناهى لا يقبل الإنصاف بالشفع والوتر.
قلنا : هذا محال
إذ جملته قامت من سدس وعشر تقبل ذلك بالضرورة وغاية كلامهم مطالبة البارئ سبحانه
بما خص ووقت المبدأ من غيره ، وهذا الاعتراض لا يعقل له مناسبة ولا يلزم بحال ،
فكل ما يهذون به يحمل على العلم والإرادة على أنا نقول ربما الأصلح بهم خلقهم في
الوقت الذي وجدوا فيه.
الفصل الثاني
وهذا الفصل ينقسم
إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : في
ذهابهم إلى أن السماء حية.
والثاني : قولهم
إن السماء عالمة بجزئيات العالم.
والثالث : في
ترتيب الحركات.
قالوا : السماء
حية ولها نفس : نسبة نفسها إلى جسمها كنسبة أنفسنا إلى أجسامنا. وكما تنقسم
حركاتنا إلى الطبيعية والإرادية كذلك حركة هذه إراديّها وطبيعيها قصدها عبادة رب
العزة والتقرب منه إذ كل تحرك إرادي لغرض إذ بذلك يفارق العاقل سائر الحيوان. ثم
قصد التقرب الغرض به عندهم التشبه بالبارئ تعالى في الصفات لا في الذات ، فإن
الكمال الأعظم والبهاء الأتم والجود الأفخم لله رب العالمين. وكل وجود بالإضافة
إلى وجوده ناقص ، والملك أقرب إليه ونعني بصفات البارئ تعالى العلم والحلم والجود
والرحمة والنزاهة عن الظلم إلى غير ذلك. والإنسان متى استعمل هذه الصفات قرب من
الملك فهو قرب مناسبة في الخلق والصفات لا في المكان وكذلك الملائكة مع بارئهم
قالوا : والمنتهى طبقة الآدميين التشبه بالملائكة. والملائكة عندهم عبارة عن
النفوس المحركة للسماوات ، قالوا : وكمالاتها تنقسم إلى ما بالقوة وإلى ما بالفعل
، فما هو بالفعل كونها على شكل كري وذلك بالفعل حاضر أبدا وما لها بالقوة الهيئة
في الوضع والأين فكل وضع ممكن لها ، وما لم يمكنها فلعدم ثباتها تحركت تبغيها فلا
تزال تطلب وضعا بعد وضع ، وإنما قصده التشبه ببارئه في صفات الكمال فهو يتحرك
لإفاضة الجود على ما تحته من العوالم إذ ليست تختلف في