بسم الله الرّحمن الرّحيم
رسالة الطير
ذكر العنقاء
اجتمعت أصناف الطيور على اختلاف أنواعها وتباين طباعها ، وزعمت أنه لا بدّ لها من ملك : واتفقوا أنه لا يصلح لهذا الشأن إلا العنقاء وقد وجدوا الخبر عن استيطانها في مواطن الغرب وتقررها في بعض الجزائر فجمعتهم داعية الشوق وهمة الطلب فصمموا العزم على النهوض إليها ، والاستظلال بظلها ، والمثول بفنائها ، والاستسعاد بخدمتها ، فتناشدوا وقالوا :
قوموا إلى الدّار من ليلى نحييها |
|
نعم ونسألهم عن بعض أهليها |
وإذا الأشواق الكامنة قد برزت من كمين القلوب وزعمت بلسان الطلب ، بأي نواحي الأرض أبغي وصالكم ، وأنتم ملوك ما لمقصدهم نحو.
وإذا هم بمنادي الغيب ينادي من وراء الحجب : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥].
لازموا أماكنكم ولا تفارقوا مساكنكم ، فإنكم إن فارقتم أوطانكم ، ضاعفتهم أشجانكم ، فدونكم والتعرض للبلاء والتحلل بالفناء :
إن السلامة من سعدى وجارتها |
|
أن لا تحل على حال بواديها |
فلما سمعوا نداء التعذر من جناب الجبروت ما ازدادوا إلا شوقا وقلقا وتحيرا وأرقا ، وقالوا من عند آخرهم :
ولو داواك كلّ طبيب إنس |
|
بغير كلام ليلى ما شفاكا |
وزعموا :
إنّ المحبّ الّذي لا شيء يقنعه |
|
أو يستقرّ ومن يهوى به الدار |
ثم نادى لهم الحنين ، ودب فيهم الجنون ، فلم يتلعثموا في الطلب اهتزازا منهم إلى بلوغ الأرب.
فقيل لهم : بين أيديكم المهامة الفيح والجبال الشاهقة والبحار المغرقة وأماكن القر ومساكن الحر ، فيوشك أن تعجزوا دون بلوغ الأمنية فتخترمكم المنية ، فالأحرى بكم مساكنة أوكار الأوطار قبل أن يستدرجكم الطمع ، وإذا هم لا يصغون إلى هذا القول ، ولا يبالون ، بل رحلوا وهم يقولون :
فريد عن الخلّان في كلّ بلدة |
|
إذا عظم المطلوب قلّ المساعد |
فامتطى كل منهم مطية الهمة قد ألجمها بلجام الشوق وقوّمها بقوام العشق وهو يقول :